تحقيقات وتقارير

العلاقة وصلت مرحلة القطيعة الدبلوماسية الخرطوم وطهران.. انهيار تحالف العمامتين


أبوبكر عبد الرازق: طرد السفير الإيراني قرار متسرع وكان على الحكومة أن تكتفي بالإدانة

محمد الحسن الأمين: قرار الخرطوم موفق ويتماهى مع مواقفها وتحالفاتها الإقليمية

حاتم السر: طرد السفير الإيراني خطوة في الاتجاه الصحيح ويمكن أن يسهم في تحسين صورة السودان خارجيا

الرشيد أبو شامة: الخرطوم اتخذت قرارها من منطلقات عاطفية وليس سياسية

في خطوة مفاجئة، قامت الحكومة بطرد السفير الإيراني من الخرطوم، وقررت استدعاء السفير السوداني من طهران، ما يعني أن التحالف الذي جمع العمامة السوداء بالعمامة البيضاء قد أضحى اثرا بعد عين.. الخبر الذي انتشر بصورة سريعا جدا، وجد حالة من الارتياح لدى البعض، بينما استغربه البعض الآخر.

الشاهد أن الخبر ظهر أولا في وكالة الأنباء السعودية التي قالت إن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، وزير الدفاع اتصل هاتفيا من الفريق طه وزير الدولة بوزارة مجلس الوزراء السوداني مدير مكتب الرئيس عمر البشير.. وقالت إن الفريق طه أبلغ ولي العهد السعودي بأن السودان قرر طرد السفير الإيراني من الخرطوم وكافة أفراد البعثة، وأبلغه بأن الحكومة السودانية قامت باستدعاء سفيرها وطاقم بعثتها من إيران، مؤكدا إدانة السودان للتدخلات الإيرانية في المنطقة، عبر نهج طائفي، منوها إلى أن الخرطوم شجبت إهمال السلطات الإيرانية منع الاعتداءات على السفارة والقنصلية السعودية في إيران.. وكالة الأنباء السعودية قالت إن الفريق طه عبر عن وقوف السودان وتضامنه مع الشعب السعودي في مواجهته للإرهاب.

أدان بقطع العلاقات
ما إن ضجت وسائل الإعلام بالخبر المنسوب إلى وكالة الأنباء السعودية، حتى قامت الخارجية السودانية، بوضع النقاط على الحروف، بأن أصدرت بياناً قالت فيه بأنه “على خلفية حادثة الاعتداء الغاشم على سفارة المملكة العربية السعودية بطهران وقنصليتها في مدينة “مشهد”. وقالت الخارجية إنه بالإشارة إلى إدانتنا للهجوم في بيان سابق وشجبنا باشد العبارات للممارسات العدائية الإيرانية ضد الممثليات الدبلوماسية للمملكة العربية السعودية بإيران في انتهاك واضح للقانون الدولي، وتضامنا مع المملكة العربية السعودية الشقيقة في مواجهة المخططات الإيرانية، تعلن حكومة السودان قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية فورا.

أصل الحكاية
تصعيد اللهجة الحادة بين السعودية وإيران، جاء عقب تنفيذ المملكة العربية السعودية لحكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي “نمر النمر” رفقة (46) آخرين السبت المنصرم. مما دعا مئات الشيعة للتظاهر في القطيف بالمنطقة الشرقية في السعودية – احتجاجا- على إعدام النمر. وهو الأمر الذي حدث في إيران حيث تم الاعتداء على السفارة السعودية وقنصليتها في منطقة مشهد، بواسطة محتجين غاضبين رأوا أن القرار جاء مجحفا، وهي الخطوة التي جعلت الرياض تطرد السفير الإيراني، وتقوم بسحب دبلوماسييها من إيران. يقول رئيس حزب الوسط الدكتور يوسف الكودة إن رجل الدين الشيعي “نمر النمر” من الذين يسعون لإقامة دولة “شيعية” تضم كل من الإحساء والقطيف، وهو متورط في عمليات إرهابية تحديدا داخل الرياض.

تهديد الحرس الثوري
الخطوة التي أقدمت عليها السعودية بإعدام “نمر النمر” أدت إلى تدهور العلاقات بين السعودية وإيران، سريعا فقد أصدر الحرس الثوري الإيراني بيانا نشرته وكالة مهر قال فيه إن السعودية لن تهنأ بعد إعدام “نمر النمر”، قبل أن تتصاعد وتيرة الأحداث سريعا ليقتحم عشرات الإيرانيين السفارة السعودية في طهران ليلة السبت الماضي.. ملقين عليها الزجاجات الحارقة.. وحاولت مجموعة أخرى اقتحام القنصلية السعودية في مدينة (شهد) ثاني أكبر مدن إيران (شمال شرق).. وبعد احتجاج السعودية على هذا السلوك – لم تنتظر وقتا- وقامت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران.. ثم فعلت البحرين خطوة قريبة من ذلك، فقد دعت إيران لتقليص تمثيلها، بينما اتخذت الحكومة السودانية قرارا فوريا بطرد السفير الإيراني، الأمر الذي اوجد ردود أفعال متباينة، في المشهد السياسي والمجتمعي، وربما المذهبي. ويرى القيادي في المؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق، أن الحكومة تعجلت في قرارها، واصفا الخطوة بغير الموفقة، وقال لـ(الصيحة) إن القرار غير موفق، وما كنت اتمنى أن يكون موقف السودان أكثر من الاحتجاج على ما حدث، لأن قطع العلاقات يجب أن ينبني على مواقف ترتبت عليها أضرار مباشرة للسودان”. ومضى عبد الرازق إلى أبعد من ذلك قائلا: إذا افترضنا أن الحكومة الإيرانية متورطة في ما حدث في سفارة المملكة العربية في أراضيها أن يكون هناك قدر من الاستنكار من جانب الحكومة السودانية، ومناشدة لإيران لاحترام العلاقات الدبلوماسية وتحسين العلاقة مع السعودية، وليس من داعٍ لأن تصل العلاقة بين الخرطوم وطهران إلى مرحلة القطيعة”. لكن القيادي بالمؤتمر الوطني محمد الحسن الأمين لا يرى أن القرار جاء بصورة عجلى، ونفى أن يكون جاء متسرعاً، وقال لـ(الصيحة) إن القرار لا يعتبر نشازا خصوصا إذا نظرنا إلى مواقف السودان في ما يلي الحرب على الإرهاب، وفي ما يلي تأمين المنطقة العربية من التخريب، لأن من ينظر إلى مواقف السودان الحالية سيجد أنه يقاسم إخوته العرب المهام والآمال في استتباب الأمن بالمنطقة العربية”. وعلى نحوٍ يجافي الوجهة التي مضى إليها أبوبكر عبد الرازق قال محمد الحسن الأمين إن الحكومة السودانية اختارت الوقوف ضمن المعسكر العربي الخليجي الإسلامي السني، واختارت المشاركة في عاصفة الحزم بقناعة كاملة، وارسلت قواتها إلى اليمن من اجل دعم الشرعية”، مشددا على أن التعدي على السفارة السعودية في إيران أمر مرفوض، خاصة أن إيران فشلت في حماية البعثة الدبلوماسية وهو واجب تنص عليه التشريعات والقوانين الدولية.

رياح التغيير
العلاقات بين طهران والخرطوم بدأت جيدة منذ أن نال السودان استقلاله ولكنها ساءت ووصلت المستوى (الصفري).. إثر تأييد حكومة “نميري” لصدام حسين في حربه على إيران. وبعد انتفاضة أبريل والإطاحة بنميري، عادت العلاقات الدبلوماسية إلى التحسن بين البلدين، خاصة بعد زيارة السيد الصادق المهدي لطهران، وزادت العلاقات تطورا بعد انقلاب الإنقاذ، وتم تبادل الكثير من الزيارات بين البلدين على أعلى المستويات ، حيث زار كل من الرئيسين رافسنجاني ومن بعده أحمدي نجاد الخرطوم، ورد البشير الزيارة في أكثر من مرة.. وهذه الزيارات كما يفسرها المراقبون، تأتي نظرا لاتخاذ طهران والسودان عدوا مشترك هو الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها إسرائيل.

في مرمى النيران
مؤخرا تصاعدت النبرة المذهبية والسياسية والفكرية الداعية التنبيه من خطورة (التشيع) الذي انتشر بالسودان، وتعالت الأصوات التي تدعو الحكومة لأخذ حذرها من – المركز الثقافي الإيراني- الذي يقبع في شارع الستين، ونهجه في استمالة بعض الشباب.. وفي أثناء ذلك لاحظ زوار معرض الخرطوم الدولي للكتاب، وفي الجناح الخاص بإيران، وجود كتب تتعرض لصحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتؤكد على فرية تحريف القرآن الكريم، مما أثار جمهور الزوار وهددوا – حينها – بحرق المعرض ما لم ترفع هذه الكتب ويغلق جناح المعرض ويفتح تحقيق في كيفية السماح لها بدخول السودان والاشتراك في المعرض رغم أن هذا ضد اللوائح المنظمة لعمله.. حينها سارعت الحكومة وطلبت من الإيرانيين الاستجابة لهذه المطالب، فرفعت الكتب، قبل أن تصدر قرارا بإغلاق الجناح خوفا من التداعيات المذهبية لهذا الأمر.

طرد الملحق الثقافي
لم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد أغلقت الحكومة المركز الثقافي الإيراني بالعاصمة والولايات (أكثر من 26 مركزا ومكتبة ومدرسة ورابطة)، وطلبت في الوقت نفسه من الملحق الثقافي الإيراني وطاقمه مغادرة البلاد، ويومها قالت الحكومة إن المركز تجاوز الدور الذي انشئ من اجله، وإن القرار جاء بعد متابعة كثيفة لنشاط المركز الثقافي الإيراني وفروعه بالولايات السودانية المختلفة، وأصبح يشكل تهديدا للأمن الفكري والاجتماعي بالبلاد”.. إلا أن المراقبين يرون أن قرار الحكومة – حينها – نتج عن ضغوط مصدرها دول الخليج التي ترفض التقارب السوداني الإيراني، ومعلوم أن الحكومة السعودية قامت بإرجاع طائرة البشير التي كانت متجهة إلى إيران ومنعتها من استخدام أجوائها. وبعدها عانت الخرطوم عزلة عربية بسبب التقارب بين الخرطوم وطهران، قبل أن تتبدل المواقف كلياً، قبل أن تقوم الحكومة بطرد الملحق الثقافي وهو القرار الذي وجد ارتياحا كبيرا لدى مكونات دينية ومذهبية مختلفة. واعتبر عضو المجمع الصوفي العام الشيخ صلاح البدوي القرار الحكومي بأنه من أنجح القرارات التي اتخذتها لمصلحة الشعب كما وصفه الدكتور عبدالحي يوسف بالقرار الموفق لمجابهة ما يواجه الوحدة الفكرية والعقائدية للبلاد، معتبرا القرار بأنه مصالحة مع القاعدة الإسلامية العريضة في السودان..

إيران وقصف اليرموك
بعد أن قصفت طائرتان تابعتان للفرقة الثالثة عشرة لسلاح الجو الإسرائيلي مجمع اليرموك للصناعات الحربية جنوب الخرطوم، وجدت الحكومة السودانية عونا معنويا سريعا من إيران حليفتها في ذلك الوقت، فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة – حينها – العقيد الصوارمي خالد سعد الناطق الرسمي عن رسو سفينتين حربيتين إيرانيتين إحداهما (فرقاطة) والثانية سفينة إمداد لميناء بورتسودان. ومع أن الصوارمي قال إن الخطوة تأتي في إطار العمل الروتيني للقوات البحرية السودانية، وأن السفينتين رستا بميناء بورتسودان للتزود بالوقود وتبادل المعلومات مع البحرية وستتابعان إبحارهما، لكن أوشك أن يتسبب في أزمة بين وزارتي الدفاع والخارجية بعدما نفى وزير الخارجية – حينها – علي كرتي علمه بأمر السفن الإيرانية، بل إن كرتي تحدث بلغة خشنة، حول تهميش وزارته.

بداية التحول
الانقلاب الذي شهدته العلاقات بين الخرطوم وطهران وصول ذروته بعدما جلس الملك سلمان بن عبدالعزيز على كرسي إدارة المملكة العربية السعودية. وهذا التغيير في مواقف الخرطوم لم ينحصر في معاداة إيران، بل مضى إلى مشاركة القوات السودانية ضمن قوات عاصفة الحزم في اليمن، ضد الحوثيين المدعومين من إيران.. وارسلت الخرطوم لواءً كاملا إلى عدن للمشاركة في التحالف الخليجي والعربي، وهو الأمر الذي اسهم في انتعاش المواقف الاقتصادية بين الرياض والخرطوم، فقد تكفلت السعودية بتمويل ثلاثة سدود وزرع مليون فدان بشرق السودان.

طرد السفير الإيراني من الخرطوم واستدعاء السفير السوداني من إيران يعني انقطاع العلائق ما بين الطرفين، وهو ما اعتبره القيادي في المؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق أمر يمكن أن يلقي بظلال سالبة على علاقة الدولتين.

وقريبا من حديث “عبد الرازق” فإن السفير الرشيد أبوشامة يرى أن قرار الحكومة جاء متسرعا، وإنه انبنى على مواقف عاطفية، أكثر منها مواقف سياسية ودبلوماسية. وقال أبو شامة لـ(الصيحة) إن طرد السفير الإيراني جاء في إطار تحسن العلاقات بين السودان والسعودية والتي توثقت بمشاركة الخرطوم في عاصفة الحزم سواء أن كانت بريا أو جويا. وأضاف أبوشامة إن الخرطوم ترمي إلى تمتين علاقتها مع الرياض، وهو أمر ربما يعطي انطباعا سالبا، ويجعل من الخرطوم في موقف المناصر للرياض في مواقف قد لا تبدو مقنعة، وهو ما يمكن تفسيره تفسيرات غير حميدة، خاصة إذا تحدثنا عن سيادة الدول. وزاد أبوشامة: كان على الحكومة السودانية أن تكتفي بالإدانة الشديدة التي أصدرتها الخارجية تنديدا باقتحام المتظاهرين الإيرانيين للسفارة السعودية، لجهة أن الواقع الدولي غير معلوم مستقبليا بعد تصريح الرئيس الروسي بأنه على استعداد لتلطيف العلاقات السعودية الإيرانية، الذي يأتي متزامنا مع بروز نوايا أمريكا في هذا الخصوص. وأضاف: كيف سيكون موقفنا إذا نجحت روسيا في تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران، خاصة أن دول التعاون الخليجي لم تقم بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران ما عدا البحرين التي يأتي موقفها المساند للسعودية، من منطلقات أنها تعيش وضعا استثنائيا، بسبب النبرة والوجود الشيعي بداخلها”.

لكن القيادي في المؤتمر الوطني محمد الحسن الأمين لا يبدو متخوفا من تصلب المواقف بين الطرفين مستقبلا، وقال إن الخرطوم تملك رصيدا وافرا من علاقاتها السابقة من إيران، وهذا يمكن أن يكون سببا لإنصلاح العلاقة إذا عادت إيران انتهاج الحوار كوسيلة في العلاقات مع الدول، وإذا نأت عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وإذا قامت بواجبها في حماية البعثات الدبلوماسية. وعاد محمد الحسن الأمين ليؤكد أن موقف الخرطوم بطرد السفير الإيراني يتماشى مع موقفها الإقليمي وتحالفاتها الإقليمية”.

وليس بعيدا عن حديث محمد الحسن الأمين فإن القيادي البارز في الحزب الاتحادي “الأصل” حاتم السر يرى أن قطع السودان لعلاقاته الدبلوماسية مع إيران وإعلان دعمه للسعودية قرارا سليما وتوجها صحيحا، وقال السر في تعميم صحفي من مقر إقامته في لندن إن قرار الحكومة السودانية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران تضامنا مع المملكة العربية السعودية في مواجهة المخططات الإيرانية العدوانية قرارا سليما وتوجها موفقا يجد الدعم والترحيب من القوى السياسية السودانية التي طالما اشتكت لعقود طويلة من ارتباط السودان مع إيران بالأجندة الأيدولوجية الضيقة لجماعة الإسلام السياسي. وقال السر إن السودان دفع ثمن وقوف الحكومة السودانية في الحلف الإيراني باهظا، من العقوبات الدولية والحصار الاقتصادي والوضع في قوائم الإرهاب والعزلة الدولية. وأضاف: إن هذا القرار الجرىء من شأنه أن يؤيد موقف السودان إلى جانب أشقائه وجيرانه في محيطه العربي ويخرج بالبلاد من الحلف الأيدولوجي الذي اضر بها كثيرا. كما أنه خطوة مهمة لتصحيح مفاهيم المجتمع الدولي وتصنيفه للسودان في محور دول الشر والإرهاب. واعتبر السر دعم وتعزيز العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر من المصالح الإستراتيجية للسودان، مشيدا بوضعها في مقدمة أولويات السياسة الخارجية السودانية وبالذات في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها أمتنا العربية.

عطاف عبدالوهاب – محمد شناوي
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. حاتم السر …. دائما بصر في إي حديث يدخل معبودته (مصر) !