الطيب مصطفى

أحمد هارون .. جزاك الله خيراً


عدتُ (مشروقاً) من الأبيض ومنبهراً متقطع الأنفاس من عظمة ما رأيت، ليس انفعالاً بمشاهد انحفرت عميقاً في نفسي خلال عرض فعاليات الدورة المدرسية القومية التي افتتحت أمس الأول في عاصمة ولاية شمال كردفان إنما مما أحدثه واليها من نهضة (بالمجان تقريباً) أثبت بها أن التاريخ يصنعه الرجال.
ليس (تكسيراً للثلج) فمن يهوي يومياً بالزفرات الحرى حمماً بركانية على رؤوس المقصّرين والفاسدين لا ينبغي أن يتهم بذلك الصنيع الرذيل فبمثلما نرجم العاجزين نقداً وتقريعاً لا نجد حرجاً في أن نرفع شأن أهل العطاء وأشهد الله أنني كنتُ على خصام مع الوالي أحمد هارون امتد إلى ساحات المحاكم أيام كان والياً على جنوب كردفان حيث رأيت غير ما رأى وهاجمته بضراوة لمواقف اتخذها تجاه المتمردين والرويبضة عرمان لم أحتمل رأيه فيها، وقام الرجل برفع دعوى ضدي أمام المحاكم وتوسط الخلوق صديق الطرفين د. الدرديري محمد أحمد وجمعنا في منزله وأزال كثيراً من تلك الجفوة، ورغم ذلك ظلت العلاقة يشوبها شيء من التوتر بسبب اختلاف وجهات النظر حول العلاقة بقطاع الشمال إلى أن غادر الرجل جنوب كردفان إلى شمال كردفان التي تفجّر فيها عطاء الرجل مما جعلني أحني هامتي له إجلالاً وتقديراً.
عندما استمعت إليه وهو يقدم نفير ولايته الجديدة تمنيتُ وقتها أن لو كان بالإمكان أن يُستنسخ في عدد من الولايات في وقت واحد ليستنفرها ويخرج مكنون عطائها كما فعل في شمال كردفان.
بعد الإعلان عن النفير ابتعدت لفترة عن متابعة الأمر، وحرصت نهار الأحد الماضي على زيارة الأبيض وهي تحتضن الدورة المدرسية القومية لأرى ثمار ما بشّر به الرجل فوجدت عجباً!
كان الإستاد الضخم الذي ينافس بل ويتفوَّق على ميادين الهلال والمريخ وغيرهما، والذي أقيمت فيه المناسبة وحده كافياً لإلقام كل متشكِّك بحجر ضخم يسد حلقه مهما عظم فوه وتضخم لسانه، ثم كانت المشروعات الأخرى التي لم نر منها بسبب ضيق وقت الزيارة غير القليل كفيلة بإسعادنا وملئنا بالبشر والتفاؤل خاصة الجامع الكبير وسط السوق والذي يسع (6000) مصلٍّ كما كان المستشفى المرجعي الضخم الذي أصبح قبلة للمرضى في كل مدن وقرى الولاية والذين كانوا قبل ذلك يفدون إلى الخرطوم وكان المسرح الكبير الذي أقيم ليحتضن النشاط الثقافي والاجتماعي ثم كان من العطاء الثر إقامة المدارس وإصلاح بيئة التعليم التي لطالما تفطرَّت أكبادنا ونحن نشهد صورًا لمدارس كُثر في شمال كردفان مقامة في رواكيب يفترش تلاميذها وتلميذاتها الأرض في زمن توفر فيه وسائل الابتكار والاختراع والتقنية لرصفائهم في دول أخرى ليست أحق بتلك الوسائط والمعينات من بلادنا وشعبها الصابر المحتسب.
لماذا الإشادة بالرجل؟
لأنني أبحث على الدوام عن التميّز ذلك أن التاريخ عربة يقودها العظماء من الرجال، وذلك سر تعلّقي مثلاً بالفاروق عمر وبالشخصيات العمرية التي تجيد القفز على الحواجز والعوائق واختزال المسافات وتحقّق ما لا يحققه عامة الناس شأن الإبل الراحلة في كل زمان ومكان فقد أفاد الرجل من اكتشاف بعض الصفات التي تتفرد بها الشخصية السودانية فأحيا سنة النفير التي تضج بها آي القرآن والأحاديث النبوية وما غزوة تبوك إلا مثالاً ينضح بهذه القيمة التي صعد بها الصديق أبوبكر وذو النورين عثمان بن عفان مكاناً علياً، ومعلوم أن النفير قيمة وسلوك سوداني خالص اشتهر به السودانيون وسارت بسيرة كرمهم ومروءتهم الركبان في المملكة العربية السعودية والخليج والعالم أجمع.
وأنا أتأمل متفكرًا في مشاريع النهضة التي رأيت بعضها وقرأت ما لم أشاهده مما تحقّق خلال الفترة القصيرة التي أمضاها أحمد هارون على قمة الولاية من نهضة ألحَّ عليَّ سؤال لم تستغرق الإجابة عنه أكثر من ثوانٍ معدودة رغم أني لا أملك أن أقرر بشأنه وحدي: هل يجوز شرعاً وأخلاقاً أن يرشّح منبر السلام العادل أو أي حزب آخر منافساً لأحمد هارون؟!
أقولها ضربة لازب : لا يجوز، ليس لأن حظوظنا في الفوز ستكون ضعيفة في وجود رجل أتعب من يأتي بعده وجعل مهمة منافسيه صعبة وربما مستحيلة إنما لأننا نتبنى منهج إصلاح السياسة بالدين وإخراجها من مستنقع المقولة البغيضة:(السياسة لعبة قذرة) ذلك أن علة العلل في السياسة السودانية تكمن في عدم تقيّدها بالقيم العليا من صدقٍ وتجرّدٍ ونكران ذات مما جعل الولاء الأصغر مقدماً على الدوام على الولاءات الكبرى فالحزب والقبيلة يقدمان على الوطن والمصلحة الشخصية تسود على كل شيء صغر أم كبر وهكذا.
لقد كان افتتاح الدورة المدرسية رائعاً بحق خاصة تلك الألعاب الاستعراضية البديعة لتلميذات الولاية والذي شهد عدد من الحضور أنهم لم يروا مثله من قبل.
شركة سوداني الراعية للدورة المدرسية تستحق الإشادة وليت شركات الاتصالات توجه بند المسؤولية أو الصرف الاجتماعي إلى التعليم الابتدائي الحكومي في الولايات الفقيرة بدلاً من صرفه على الجامعات الخاصة التي تحصل على الدعم من مصادر دولية ومحلية معلومة!
الشكر مستحق لرجل الأعمال الحاج محمد أحمد أب جيقا الذي أصر على استضافة الوفد الخرطومي الضخم وغمر الجميع بكرمه الفياض وبوليمة فاخرة قبل مغادرة الوفد إلى الخرطوم ليلاً.