جعفر عباس

التيس شاذ وليس «معجزة»


لا تكاد تمر سنة من دون أن تكتب صحفنا عن حيوان «مبروك» أو عشبة معجزة تشفي جميع العلل، ويُحمد لصحفنا أنها برغم أنها تخفف عن قرائها وطأة الأخبار المسببة للاكتئاب الوبائي، بتبشيرنا بكشف معجز، سرّه مودع في ناقة أو حمار أو بقرة، ثم جاءتنا مجددا أخبار «التيس المعجزة»، بنفس التفاصيل التي تناولت بها الصحف تيسا آخر قبل نحو 15 سنة.
قبل نحو شهرين نشرت الصحف العربية – على استحياء – نبأ هذا التيس المبدع، وتتلخص قصته في أن قرية فلسطينية شهدت طوفاناً بشرياً بعد ذيوع نبأ تيس يدر حليباً من ضرع واحد، ووفقاً لتصريح أدلى به مختار القرية في مؤتمر صحفي منقول عبر أقمار «واسطات»، فان حليب هذا التيس يزيل العقم. يعني رشفة أو رشفتان، ثم تبدأ الحرم المصون في إعداد المريولات والحفاضات والملابس الواسعة بانتظار قيام المولود بهبوط اضطراري بعد سبعة أشهر.
وليس معنى نزول الطفل بعد سبعة أشهر من الحمل أنه يولد ناقصاً. حاشا وكلا، فلأن حليب التيس سريع المفعول، فإن الطفل يولد بأسنانه بعد سبعة أشهر وربما أقل بحسب الحالة الصحية للأم. وبقية الخبر أن الجماهير لا تزال تصف أمام الحظيرة التي يوجد فيها هذا التيس المحترم في انتظار أن يتلطف عليهم بقطرتين من حليبه المخصب.
نتحدث ليل نهار عن مشروعنا «الحضاري»، وعن منازلة الغرب، ثم نضع ثقتنا في تيس يعاني من خلل في وظائف الغدد. فهذا التيس «المعجزة» هو في أحسن الاحوال «خنثى مشكل».. يعني لا هو كامل الأنوثة، ولا هو كامل الفحولة، وهو بالعربية العامية تيس «خائب»، يجعجع ولا يطحن، وأنا أتحدى مختار تلك القرية الذي نصّب نفسه ناطقاً رسمياً باسم التيس أن يأتي بدليل على أن صاحبنا هذا نجح في انجاب عنزة أو تيس آخر. والتيس هذا إما ينتج صديداً حسبته «الجماهير الوفية» حليباً، وإما أنه «مستهبل»… بعبارة أخرى كان هذا التيس يعرف أنه «نص نص» وظل يلعب على حبلين إلى أن طغى عليه نصفه الانثوي وتدفق الحليب من ضرعه بعد أن أنجب عنزة في الخفاء، وهو بهذا ضالع في المؤامرة التي تهدف إلى إلهاء أمتنا عن قضاياها المصيرية المتمثلة في ترقيع ثقب الاوزون في شمال غرب فنلندا.
بالله عليكم ألم تجدوا كائناً تحمّلونه مسؤولية إنتاج أجيالكم المقبلة سوى «تيس»؟ لماذا لم تختاروا حيواناً محترماً مثل الحصان أو الديك الرومي، وخاصة ان الصحف العربية لا تخلو من أنباء عن الديوك التي تبيض. فإذا كان التيس الذي يدرّ حليباً «معجزة» فإن الديك الذي يبيض يستحق البقاء داخل ضريح ذي خمس نجوم، ثم هب أنه تصادف أن رزق أحدهم بطفل عقب تناوله هو أو حرمه جرعة من الحليب «المبارك» هل سيسمونه امرؤ التيس من باب التبرك والعرفان بالجميل؟ وإذا جاء المولود بنتاً هل يسمونها «توسه» مثلاً؟
ولا بد لي من الاعتذار إذا كان في ما أسلفت ما يجرح مشاعر أتباع هذا التيس القطب والسند، أو كانت اللغة التي تحدثت بها في أمره متعالية. ولكنني لن أعتذر لعدم «اعترافي» بكرامات حليب تيسهم هذا، وربما كان مرد ذلك إلى أمر وقع لي في طفولتي كتبت عنه مرارا: فعندما أصبت بالسعال الديكي، سقوني حليباً كامل الدسم فشفيت بسرعة، وبعدها بيومين علمت أن مصدر ذلك الحليب «حمارة»، وما أن علمت بذلك حتى بدأ بطني في التخلص من كل ما في داخله خلال أسبوع كامل إلى أن أصبت بالجفاف ولزمت أرض المستشفى «لم يجدوا لي سريراً» طوال أسبوعين، ومنذ يومها وأنا أكره الحمير والتيوس والبهائم، سواء كانت تمشي على أربع أو اثنتين!!


‫2 تعليقات

  1. بس دا تيس فلسيني وماهو رأيك في التيس السوداني اكيد حليبو بجيب تيمان ياابو الجعافر …………!!