د. ياسر محجوب الحسين

احذروا معاداة الكلاب!


(هي ثقافة على كل حال وأي ثقافة).. هذه هي العبارة التي طفقت أرددها وكأني أهْذِي وأضرب كفاً بكفٍ، بعد صدمة عنيفة هزت مشاعري.. والقصة كانت خبرا مطابقا للمعايير الصحفية التي تقول: (إذا عضّ الكلب رجلا فليس ذلك بخبر، فإنما الخبر هو إذا عضّ الرجل الكلب).. هنا في بريطانيا ثارة ثائرة الرأي العام عندما قتل كلب صاحبه، وليس العكس أن الرجل قتل كلبه.. فالكلب هاجم صاحبه في منزله، حيث كانا يعيشان سويا، وأصيب بجروح مميتة لم يتمكن رجال الإسعاف معها من إنقاذ حياته، فيما اقتادت الشرطة الكلب “المتهم” للنظر في أمره ولربما اتهم باعتلال حالته النفسية تمهيدا لتبرئة ساحته.. وعند متابعتي لتعليقات القراء في أحد المواقع التي نشرت الخبر، رأيت عجبا.. كانت معظم التعليقات تدين الرجل الضحية، وتتهمه بأنه أساء معاملة الكلب، مما دعا الكلب للهجوم عليه.. ورثى البعض ورقَّ وتوجَّع لحال الكلب، لأن مصيره ربما آل لأن تضعه الشرطة مع شاكلة الكلاب الضالة، ولن يتمتع بعد اليوم بحياة طبيعية ينال فيها حق التنزه في الحدائق.
لم ينل الرجل المسكين شيئا يذكر من التعاطف رغم أنه كان يدلل الكلب ويحسن صحبته وهذا أمر معلوم في بريطانيا والغرب عموما.. فدولة مثل بريطانيا تمنح إعانة لمن يربي كلبا، وتجد في المتاجر، كبيرها وصغيرها، أجنحة ضخمة مخصصة لما لذّ وطاب من أنواع أطعمة الكلاب التي لا تقل اشتراطاتها الصحية عن تلك الاشتراطات المطلوبة في طعام الإنسان المرفّه.. ولم يعد التولّه وشِدَّةِ الوَجْدِ بالكلاب من متعلقات حياة الأغنياء فحسب، فإذا بشرائح المجتمع كلها تقع في هذه المصيدة، وبات حضور الكلاب في المدن كثيفا وزاحمت البشر في كل مكان. وإن أردت أن تدخل إلى قلب أحد فعليك أن تلاطف كلبه وتبدي إعجابك به حتى لو كان من الأنواع غريبة الشكل قبيحة المنظر.
الأمر المدهش أن هذه الثقافة أخذت تغزو بلادنا العربية المتعبة اقتصاديا، فإن وجدنا مبررا لأهل الغرب، فلا نجد مبررا لبني جلدتنا.. يقول تقرير صحفي حديث إن العشرات من الشبان في قطاع غزة من هواة تربية الكلاب تجمعوا في الشاطئ لقضاء ساعات من الترفيه، واستعراض جمال وقدرات كلابهم.. من هموم أولئك الشباب أن عملية استيراد الكلاب صعبة جدًا بسبب الحصار الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن تكلفة شحنها التي تقدر بنحو 500 دولار، بينما أسعارها تتراوح ما بين 500- 1000 دولار أمريكي. وتقدر التكلفة المعيشية للكلب الواحد بنحو 100 دولار شهريًا.. وفي الوقت نفسه يذكر البنك الدولي أن اقتصاد غزة سجل أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 43% ترتفع لما يقرب من 70% بين الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاماً.
في مصر خرج إعلاميوها للتنديد بذبح كلب بشبرا الخيمة شرق القاهرة، وصرحت وزارة الداخلية المصرية لوقفة احتجاجية تنديدا بذبحه. ورغم أن الواقعة مدانة وصادمة، بيد أن خروج الإعلاميين المصريين البارزين كان أيضا مدهشا، إذ هم الذين دعوا لفض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة والذي خلف آلاف القتلى وكان منظر الجثث التي أحرقت مأساويا. أحد الإعلاميين حوَّلَ صاحب الكلب إلى نجم تلفزيوني، وفتح له هواء برنامجه ليشرح له ما حصل.
الطريف أنه في دول أخرى كالصين والفلبين تأكل شعوبها الكلاب ولا ترقب فيها إلا ولا ذمة، وعندما حاول مثقفوها مغازلة الغرب ومنع أكلها ووجهوا بالرفض، فقبل 5 سنوات دافع باحثون بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية عن اقتراحهم بحظر تناول لحوم الكلاب والقطط وسط انتقادات بأن هذا الاقتراح سيدمر التقاليد المحلية.
ونص مشروع قانون لمكافحة سوء معاملة الحيوانات تحريم طهي الكلاب والقطط وفرض غرامة مقدارها 5 آلاف يوان (732 دولارا أمريكيا) وقد تصل العقوبة للحبس في حالة مخالفة هذا القانون. وقال رئيس نقابة مربين في إحدى المناطق: إن تناول لحم الكلاب يعود إلى أكثر من 2000 عام مضت.
في الإسلام لا تجوز تربية الكلاب إلا لأحد أمرين، وهما الصيد، والحراسة، ومن قال بذلك من العلماء استند للحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم قوله: “من اقتنى كلباً، إلا كلب ماشية، أو كلب صيد نقص من عمله كل يوم قيراط” رواه مسلم وغيره.
وهناك مسألة علمية في منع أو كراهة تربية الكلاب، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرّات أولاهنّ بالتراب”. وقد ثبت علمياً أن التراب يحتوي على مادتين فعالتين لقتل الفيروس الذي يحمله الكلب في لعابه وهما (تتراكسلين) و(التتاراليت).