تحقيقات وتقارير

هل تحتاج إلى شهادة؟ .. التكافؤ بين الرجل والمرأة.. معادلة إنسانية أم أكاديمية؟!


لتمخر سفينة الحياة في هدوء فإن العلاقة بينهما تحتاج إلى التخلص من (العكلتة) المستمرة المتمثلة في طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل شائكة ومعقدة، كما أن حالة المد والجزر الدائمة بين الطرفين تستدعي النظر العميق فيما يعتري الصلة الإنسانية هزات عنيفة تثير أمواجاً متلاطمة قد تدفع بها إلى التزعزع.
الكثيرون يضعون حداً أدنى من القواسم المشتركة بين الجنسين حتى يتسنى لهما العبور، ويأتي التكافؤ العلمي والأكاديمي بين طرفي العلاقة شرطاً أساسياً يضمن لهما النجاح والاستمرارية، فالحياة – عند هؤلاء- لا تقبل القسمة على الفشل في (بورد) الجامعات، بينما يعلق آخرون القضية على ذمة المثل الشعبي (القلم ما بزيل بلم) وينظرون إلى الحياة بإعتبارها معادلة لا تخضع لفلسفة الحوارات وأحاديث المدرجات.. ما بين إمرأة تحيل الحياة إلى طاولة حوار دائمة، وآخر يفضلها (مشلولة) التفكير.. لنرى عن ماذا أسفر هذا التحقيق عن أهمية التكافؤ الأكاديمي بين حواء وآدمها!
(1)
التكافؤ الأكاديمي بين رجل وامرأة يعيشان لتكوين مملكة خاصة بهما ضروري ومهم. بهذه الكلمات بدأ (معتز سليمان) تعليقه على القضية، وأردف: “الحياة معقدة ومليئة بالخلافات والمشاكل، خاصة في العلاقات اليومية، فمن باب أولى أن يحتاط طرفا العلاقة بالقليل من عدد مسببات الاختلاف الذي هو موجود في كل بيت.. والإختيار السليم لطرف يتناسب معك في مؤهلاتك ومقدراتك يقلص من نسبة الفشل في العلاقة، وهذا ليس قاصراً على –الأكاديمي- فقط، بل هناك تناسب في أشيا اخرى لابد أن يتحقق حتى لا يعرقل سير العلاقة”.
(2)
ترى (تهاني مختار) أو وجود فارق علمي لصالح الرجل يعد طبيعياً في ظل المجتمعات التي تُكرّس لهيمنة الرجل على حساب الأنثى، وأن الغالبية العظمى من النساء فُطرن على تقبل علو الرجل من حيث الدرجة العلمية والوظيفة الإجتماعية.. لذلك تجد نساء يغمرن أنفسهن وينسين مسألة الذات ليتباهين بوضع أزواجهن، لذلك فإن وجود علاقة يتميز فيها الرجل مسألة طبيعية، ولكن المعضلة تنشب إذا ما تم عكس الأدوار، لأن الرجل لا يمكن أن يتقبل أن ترجح كفة المرأة عليه في أي شيء وليس التفوق الأكاديمي فحسب، ومن هنا تبدأ تعقيدات العلاقة وقد يصل الأمر بها إلى حد الإطاحة أو المشاحنات المستمرة على أحسن الفروض.
وتروي (تهاني) تجربتها الذاتية بعد أن فاض بها (الكيل) كما قالت: “تعرفت على شاب لمست فيه العديد من المزايات الجميلة التي جعلتني أتقاضى عن الفارق التعليمي بيننا، رغم أني تخرجت من جامعة عريقة فيما لم يكمل هو المرحلة الثانوية، بعد الزواج إختلف الحال وتحولت (شهادتي) إلى سبب (نكد) مستمر بيننا، وليت الحال وقف عند هذا الحد، فقد صارت له عداوات مع صاقاتي في المرحلة الجامعية وعداء سافر مع كل ما من شأنه أن يعود بذاكرتي إلى أيام الدراسة، أحسست بفداحة الخطأ وليت الأيام تعود لأصلح ما أفسدته باندفاعي وقلة عقلي”.
(3)
يتبنى (إبراهيم) وجهة نظر مختلفة عن من سبقوه فهو لا يرى عدم التكافؤ الدراسي سبباً يعصف بالعلاقة بين طرفين.. يقول: “الحياة هي المدرسة الوحيدة التي تضيف للفرد وتكسبه خبرة وتجارب، وكثيرون نجحوا في حياتهم من دون أن يتلقوا تعليماً.. عشان كدة أنا مع المثل البقول (القلم ما بزيل بلم)، أنا خريج ومتعلم لكن لا أشترك في الفتاة التي أرغب في الإرتباط بها أن تكون جامعية –أصلو أنا عايز أفتح بيت ولا مدرسة؟-، إضافة إلى أن المتعلمات (غلباويات) وحججهم كثيرة، عشان كدة أفضلها (ست بيت) وخلاص”.
رأي يتوسط الفريقين أدلى به (مصطفى مبارك) قائلاً: “هذه مسألة نسبية وغير ثابتة لا تستطيع أن تحكم عليها حكماً مطلقاً، قد تجد من بينهم فارق معرفي واضح لكنهم يعيشون في (ثبات ونبات)، وهناك من قضوا سنوات دراستهم في مدرج واحد لكن الحياة بينهم تمضي متعثرة، المسألة غير خاضعة للحسابات في أحيان كثيرة، لكن إذا حدث تناسب بين الطرفين فهذا أدعى لإستمرارية الصلة”.
(4)
يشتكي (أمجد) من زوجته التي تتسبب في إحراجه في كثير من الأحيان، ويرد ذلك إلى عدم إدراكها لأمور مهمة في حياتهما كانت ستنتفي لو حصلت رفيقته على قدر كافٍ من التعليم يقول: “عند أخطر الأشياء المتعلقة بمرض طفلنا الصغير أكتشف أنها لا تولي المسائل الصحية إهتماماً كافياً، وقد تستمع إلى تعليمات الطبيب بسذاجة و(عبط)، أفتقد مجاراتها لي في الحوار والحديث، وكثيراً ما أصاب بالإحراج من ردودها وجهلها لأمور بسيطة أمام أصدقائي”. ويضيف أمجد متحسراً: “هذه لعنة الجمال.. فقد سحرني حسنها ولم أنتبه لما سيجره عليّ جهلها من مشاكل، لذا أفكر في الزواج مرة أخرى فأنا أحتاج إلى إمرأة ذكية مثقفة”.
(5)
(نادية) صاحبة رأي حاد في هذه القضية، فهي ترهن علاقتها بالآخر بما يحوز عليه من علم ومعرفة، وتذهب في الدفع برأيها قائلة: “أن أرتبط بشخص يقل عني في مؤهلاته العلمية والمعرفية هذا أمر مستحيل و(خط أحمر)، ويقيناً عدم التكافؤ يخلق إختلالاً في العلاقة ويحدث فجوة بين الشريكين، إذا كنت أتفوق عليه فلن أخلص من عقده، هذا إذا لم يتعمد تعطيلي، وإذا تجاوزت له الأمر عن وعي وصدق فإن تركيبة الرجل النفسية والتي تصدر له الإحساس بالدونية لن تفارقه مهما تسامحت أنا في الفارق، فضلاً عن أني أنظر للمسألة بأبعاد مستقبلية تتعلق بتعليم أبنائي، أريدهم أفضل مني فكيف آتي لهم بأب حظه في التعليم ضئيل؟! وأضافت ضاحكة: (بصراحة كدة أنا بختار في الراجل –دماغو- وإن شاء الله تقولوا عليّ (عايزة أفتح جامعة)”.
(6)
من وجهة نظر علم النفس يرى . أحمد عدلان، إستشاري علم النفس والإجتماع، أن التكافؤ التعليمي والثقافي أمر ضروري بين الشريكين، فكلما كان هناك تقارب فكري وثقافي بينهما كان هناك تفاهم أكثر ولن تحدث إختلافات كثيرة في وجهات النظر، ويضيف: “تكافؤ الطرفين في المستوى التعليمي له دور كبير في خلق جو من التفاهم، الأمر الذي يدعو إلى تقوية الرابطة بينهما وإستمرارية تلك العلاقة، وبالرغم من أن الرجل العربي في مجتمعاتنا يفضل أن تكون زوجته أقل تعليماً من ليضمن خضوعها ويبقى هو الأقوى كما يعتقد، ما زال بعض الأزواج يحرصون على أن يكون هناك تقارب على المستويين الفكري والثقافي بحيث يحقق توازناً يجعل عجل الحياة تسير بأمان”.
ويذهب د. أحمد عدلان في حديثه إلى أن التفاوت في المستوى التعليمي يؤدي إلى إحساس أحدهما بالتفوق وإحساس الآخر بالنقص، وكل هذا يؤدي إلى إثارة المشاكل وزعزعة الإستقرار الأسري، فيكفي مشكلة صغيرة لتؤجج نار الصراع ويكون الأكثر إستثارة هو الطرف صاحب العلمي والثقافي المتدني لأنه يكون أكثر حساسية تجاه الآخر، والخطورة تكمن إذا كانت الزوجة أعلى مستوى تعليمياً من زوجها فيمكن هنا أن تتكبر عليه، أو تخجل منه وبذلك تقلل من قيمته مما يهدد الحياة بينهما ويكون مآلها الفشل.

 

 

صحيفة حكايات