يوسف عبد المنان

غياب.. وحضور


{ غيّب الموت أمس الأول الدكتور “هاشم الجاز”، الصحافي الإنسان والقلم الذي يفيض عذوبة ورقة، وأستاذ الصحافة في الجامعات السودانية.. آخر عهد بيني والراحل “هاشم الجاز” قبل أسبوعين ، حينما كتبت في هذه الزاوية عن ضرورة سد الفراغ الماثل الآن في مجلس الصحافة ، الذي عين أمينه العام السابق السفير “العبيد أحمد مروح” في تونس ،وظل المنصب شاغراً طوال هذه المدة.. وطالبت جهات الاختصاص المتعددة التي تملك كل واحدة منها نصيباً في ترشيح الأمين العام، ونصيباً في القبول أو الرفض، أن يستفاد من خبرة البروفيسور “هاشم الجاز” وإعادته لموقع غادره قبل سنوات، ولا يزال الموقع في حاجة له.. آثر الراحل “هاشم” الرد عليّ بطريقته الخاصة في الموقع الموسوم بـ(قادة الصحافة)، وهو من أميز قروبات الـ(واتساب)، لتعدد المشارب الفكرية لعضويته، كتب يقول إنه لن يعيد تجربة خاضها من قبل، وهي لا تزال تنتظر الحكم عليها من قبل أهل الاختصاص والشأن، وأضاف د. “الجاز”: (ينبغي أن تمضي خطى التجديد سراعاً ويصعد شباب الصحافيين والإعلاميين لمواقع القيادة وأهمها مجلس الصحافة، وهناك كفاءات عديدة تستطيع إدارة المجلس، لكن العودة للماضي تمثل رسالة سالبة للأجيال الجديدة المتطلعة للتغيير).. انتهت رسالة “هاشم الجاز” الإنسان النبيل.. أمضى سنوات طويلة في منصب الأمين العام لمجلس الصحافة وخرج دون خصومات.. تحمل رهق إيقاف الصحافة في أيام الرقابة من قبل ومن بعد، وظل موقفه ثابتاً من الحريات وحق الصحافيين في التعبير عن أنفسهم.. نافح في سبيل رفع الرقابة عن الصحف، ووقف حائط صد لرياح وعواصف أثارها دعاة تعديل قانون الصحافة.. ناهض “هاشم الجاز” أطروحة جعل مجلس الصحافة مؤسسة عقابية تحمل سيفاً حاداً لجزّ عنق الصحف.. وكان ذلك موقفه.. اهتم بالتدريب الداخلي والخارجي، ووضع نظاماً إدارياً متقدماً جعل مجلس الصحافة مؤسسة عصرية، حينما أسند إليه منصب الملحق الإعلامي بسفارة السودان بدولة قطر.. كان “الجاز” مدرسة جديدة استفادت منها الدبلوماسية في الحوار مع الآخر.. وتجاوز قيود الانتماء الضيق.. جمع الصحافيين السودانيين في الدوحة، مثلما كان يفعل “محمد حامد تبيدي”، ونسج روابط إنسانية ووطنية جعلت منه شخصية متفقاً عليها.. كان دوحة إنسانية تفيض عذوبة.. وسياسياً واقعياً، وإسلامياً متعدد العلاقات، لا يضيق برأي، سلاحه وضاءة القلب.. وابتسامة عذبة.. وصفاء النية.. اختطفه الموت وهو يغادر الدوحة عائداً لمواساة أسرته في فقد شقيقته، التي رحلت هي الأخرى فجأة.. والنبلاء والأطهار يرحلون في صمت، وهم في قمة العطاء.. ما أجمع الصحافيون على زميل بقدر إجماعهم على “هاشم الجاز” الذي لا نملك في يوم مغادرته الدنيا إلا القول:
راح قبيل وقت فوق المعالي نزولو
وراح المن ضيوف الهجعة ما بهمولو
فقد حقيقة حار للزينا بفقدولو
لكن العباد حكم الإله برضولو
{ أخيراً صدر قرار بتعيين الدكتور “فضل عبد الله فضل”، في منصب وزير شؤون الرئاسة أو منصب الوزير الأول في الحكومة ،والساعد الأيمن لرئيس الجمهورية وكاتم أسرار مؤسسة الرئاسة، خلفاً للراحل “صلاح ونسي محمد خير”.. وجاء تعيين “فضل عبد الله” بمثابة وفاء وتقدير من رئيس الجمهورية لرجل خبره الرئيس وكشف معدنه الأصيل في الأمانة وحسن الأداء وبشاشة الوجه وحسن التدبير والتقدير.. صعد “فضل عبد الله فضل” من منطقة في أقاصي شمال دارفور، وعين لأول مرة، في منصب وزير الدولة بالتجارة الخارجية، ومن هناك بدأت رحلة الصعود.. لثقته في نفسه وأمانته وإخلاصه.. وبياض سيرته، لا يتلهف لمال.. ولا يجامل صديقاً.. اكتشف فيه الرئيس صفات نادرة جداً.. وأسند إليه منصب وزير الدولة بالقصر الجمهوري.. وحينما رحل “صلاح ونسي” كان د.”فضل عبد الله” هو القيادي الوحيد الذي نال إجماع الرئيس ونائبيه ليصعد لمرتبة الوزير الأول.. وبذلك أصبح لدارفور إضافة كبيرة في مؤسسة الرئاسة.
حتماً سيكون لهذا التعيين ما بعده.. وقد نجح د.”فضل” خلال الفترة الماضية في استقطاب عدد من المتمردين، وذلك في صمت دون ضوضاء وضجيج.. شكراً أخي الرئيس، وأنت تمضي في التجديد وتصعيد الشباب لقيادة الدولة في مقبل الأيام.. و”فضل يستاهل”!!