الصادق الرزيقي

في جنوب كردفان «1»


> رهط من الصحافيين، كنا وجوداً منذ صباح الأمس في ولاية جنوب كردفان، بدأناها في صباح باكر بعد أن هبطنا مطار مدينة الأبيض حاضرة شمال كردفان وهي غارقة حتى أذنيها في وهج الدورة المدرسية وعبيرها وتنافساتها الحامية، ونحن نعبر طرقات المدينة في طريقنا إلى كادوقلي كانت الحافلات والبصات المخصصة لطلاب بعثات الولايات تعبر التقاطعات وهي تضج بالهتافات والأهازيج والأناشيد وتوشح كل بص او حافلة بملصق عريض او لافتة من القماش تعلن عن اسم البعثة والولاية التي تنتمي اليها، وكانت هناك عربة مسرعة تحمل من المطار الدكتور كمال شداد والدكتور علي قاقارين وهما يحلان ضيفين على الولاية ليشهدا جزءاً من الفعاليات وحفل التكريم، وبعثر الهواء الكردفاني الشتائي البارد شعر الدكتور شداد حتى صار رأسه بشعيراته الطوال أشبه بشجرة تبلدي ضخمة مدت فروعها اليابسة إلى السماء في ضراعة متعجلة، وقبل ذلك كان الدكتور عبد القادر سالم يصعد سلم الطائرة التي هبطنا منها متوجهاً صوب الخرطوم بعد أيام وليالٍ قضاها في الأبيض مشاركاً في فرحة الدورة المدرسية.
> نعود لولاية جنوب كردفان مقصدنا الرئيس والأثير يوم أمس، وبدأنا تجوالنا فيها من محلية القوز، وفاجأنا الأخ الكريم والزميل يوسف عبد المنان، باستقبال رسمي وشعبي عند مدخل مدينة الدبيبات رئاسة محلية القوز من قيادات المحلية ورموزها، وأفاض في تكريمه لنا بدعوة إفطار كبيرة وشهية في منزل أسرته في قرية طيبة، وتحولت الجلسة إلى نقاشات طويلة حول هموم اتحادية، ولاحظنا حجم الوعي الشعبي في تلك الأصقاع بما يدور في البلاد والآراء الصائبة التي تقال من المواطنين، خاصة ما يتعلق بقضيتي الحرب والسلام والحوار الوطني والحوار المجتمعي، وذكر لنا الأخ عبد المنان شقيق الأخ يوسف وهو رئيس حزب الأمة القومي بالمحلية، أن الحوار الوطني والمجتمعي هو الحل الوحيد لقضايا السودان، وأحوج منطقة في طول البلاد وعرضها تحتاج إلى الحوار هي ولاية جنوب كردفان حتى تضع الحرب أوزارها ويشرق فجر جديد.
> سكان هذه المحلية البالغ عددهم «172» ألف نسمة، يحتاجون إلى التعليم والماء النظيف وخدمات الكهرباء والصحة والأمن، فانتشار السلاح مشكلة بين الأهالي، ونشاط التمرد قريب من هناك ودعايته السوداء تملأ الأسماع.
> قبل توجهنا إلى الدلنج وكادوقلي، اقترح علينا مضيفنا يوسف عبد المنان، أن نشد رحالنا إلى منطقة خلوية نائية لم تطأها إطارات سيارات من قبل، في دغل كثيف، وعند بطن خور عميق، كان هناك قطيع من الإبل يرعى في مخضر الأشجار بينها إبل يوسف نفسه، وجدنا رعاة من أهلنا الشنابلة بوجوههم وقلوبهم الصافية والصدق المتدفق من ألسنتهم، أتوا بقربة امتلأت حتى أذنيها باللبن القارص، وإناء آخر حلبوا فيه حليب ناقة طازجاً فشربنا حتى ارتوينا، وامتطى الطاهر ساتي لأول مرة في حياته ظهر بعير غير مروض كاد يسقطه على رمال الخور، لولا أن الراعي الحصيف أناخ البعير بعد مشقة ولأي.
> ومن هناك مررنا بطرق ترابية قرب منطقة الفينقر، وقرية مناغوا، وسرنا في طريق الفولة الدبيبات، قبل أن نأخذ الطريق إلى الدلنج حين كانت قصة رئيس الوزراء الأسبق السيد الصادق المهدي عام 1987م تحاصرنا عندما أتى من الخرطوم لافتتاح كوبري قرية السنجكاية، وهي قرية بين الدبيبات والدلنج، ولا يبلغ طول الكوبري إلا أربعة أو خمسة أمتار وقد شيد على خور صغير، ومسيل ماء ضئيل الحجم والأثر.
> مدينة الدلنج في تلك الساعة من ظهيرة أمس، كانت تضج بحركة نشطة في السوق والطرقات، صادفنا فيها لحظة خروج التلاميذ والطلاب من المدارس، وكانت هناك أنشطة ما دؤوبة في الجامعة في كلياتها المختلفة، خاصة المبنى العتيق لمعهد الدلنج التاريخي الذي تحول إلى جامعة، وشاهدنا تبلدية الشاعر جعفر محمد عثمان، كسيرة حزينة غبشاء شاحبة، فروعها كأشطان بئر معطلة، لعلها تحكي قصة التعليم والمعهد وكيف يذوي التاريخ ويذبل!!
> الدلنج آمنة مطمئنة، وكل القرى على طول الطريق مؤمنة بخطة أمنية محكمة تنفذها القوات المسلحة الباسلة بكفاءة واقتدار، ففي مسافة كل مئتي متر أو عند الخيران والوديان والكباري، توجد ارتكازات عسكرية ومعسكرات وسيارات مجهزة وأطقم تؤمن الطريق، وهو جهد مهول وجبار يتم في صمت دون جلبة أو ادعاء أو ضجيج.
> وجدنا المواطنين على طول الطريق، يتحدثون بلغة واحدة بأن الأمن متوفر والأوضاع هادئة، وكل شيء يتحسن والولاية تتعافى.. تزاحمت هذه الكلمات على آذاننا حتى دخلنا في وقت الأصيل مدينة كادوقلي وهي ترفل في ثوب جديد نحكي عنه غداً.


تعليق واحد

  1. رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين !!! كل كتاباته كلاها .. عن الغرب !!؟؟.. دارفور وكردفان وجنوب النيل الازرق ..؟؟!! بس عشان هو غرابي ؟؟!!..