حيدر المكاشفي

هاشم الجاز.. فجيعة الرحيل فجأة


ليس هناك ألم يعتصر القلب ويهد كيان الإنسان ويفقده توازنه واتزانه، أكبر ولا أعظم من فقدان الإنسان لعزيز لديه وخصوصاً اذا كان ذلك الفقد قد حدث فجأة ومن دون مقدمات تجعلك تستقبل جثمانه بينما كنت قبل سويعات تنتظر استقبال شخصه.. هكذا كان حال زملاء وأقارب ومعارف الفقيد الكبير العزيز الدكتور هاشم الجاز الذي صدم خبر رحيله المفاجئ كل من كانوا يتأهبون لاستقباله لتعزيته في فقد شقيقته، فإذا بهم يفجعون برحيله المباغت ليتحولوا في لحظات من معزين له الى متلقّي العزاء فيه، وتلك حالة تهد الحيل وتطير العقل وتفرغ الفؤاد تصديقاً لقوله تعالى (وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً) في وصفه لحالة أم موسى عند فقدها لطفلها، وإن العين لتدمع والقلب ليحزن ولكن لن نقول إلا ما يرضي الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك يا هاشم لمحزونون، فقد كنت نعم الأخ والزميل والمعلم والأستاذ والموجه للكثيرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الذي نسأله لك الغفران والرحمة وأن يجعل مقامك في الفردوس الأعلى وأن يُلهم زملاءه في الوسط الإعلامي وأهله وذويه الصبر الجميل والسلوان.
لقد تعرّفت على الفقيد العزيز قبل سنوات طويلة (قبل الإنقاذ)، وكان وقتها ينشط مع زملاء آخرين أذكر منهم الزميل العزيز عمر إسماعيل عبد الصادق لتكوين رابطة خريجي إعلام الإسلامية، وقد ظل هاشم منذ ذلك الوقت هو هاشم نفسه (لا بدلتو ظروف لا غيرتو محنة)، فقد ظل على مدار الزمان ودورانه هو ذاك الهادئ الرزين الوقور الحكيم، كما ظل رغم تقلب أحواله وتعدد الوظائف الكبيرة التي تقلدها هو ذلك الشفيف العفيف المتعفف والذي كان له سهم ونصيب وبصمة في العمل الصحفي والعلم الإعلامي، ولأنه كان حيياً حياء الأنبياء ومتواضعاً تواضع العلماء؛ لم يعرف عنه هذا الدور إلا القليلين جداً من القريبين منه، وكذلك لم يشهد له بفكره المرتب ورؤيته الثاقبة التي تنفذ إلى آفاق الوقائع والأحداث، فيحسن قراءتها ويبرع في تحديد اتجاهاتها عندما يتناول أية ظاهرة أو حدث بالشرح والتحليل إلا من عايشوه، هذا إضافة إلى أنه كاتب مجيد ومجوّد للكتابة حين يمارسها على إقلاله فيها ومتحدث لبق باهر العبارة مع ندرة اعتلائه المنابر، فليرحمه الله ويحسن إليه بقدر ما أنه لم يسيء لأحد، فقد كان محترماً في نفسه محترماً للآخرين، لقد كان رجلاً لا تملك إلا أن تقدره وتحترمه مهما اختلفت معه، ألا رحمك الله يا أستاذ الأجيال الذي تخرجت على يديه أجيال وأجيال ممن كان لهم المرجع والأساس والأستاذ.