الطيب مصطفى

إسلام أمريكاني (2) و (3)


إسلام أمريكاني (2)
لا نزال نستعرض ما قاله ذلك الكاتب العلماني الذي جعل أكبر همه ومبلغ علمه ومهمته الأولى في الحياة منذ شبابه الباكر أن يتصدى للإسلام كنظام توحيدي شامل للحياة، وكنا قد أوردنا في مقال الأمس تهكمه من الشريعة الإسلامية وتشبيهها بسلعة وهمية سماها النجم الكوميدي عادل إمام في أحد أفلامه بـ(الفنكوش) قال إنها (لا وجود لها في أرض الواقع)!
ثم عرف الكاتب الشريعة (الحقة) التي يفهمها هو والتي قال (إنها لم تفارق أهل السودان في أي وقت من الأوقات) واختزلها في الشعائر التعبدية والزواج والطلاق والميراث والمعاملات التجارية والأخلاق ونحو ذلك.
إنها ورب الكعبة الشريعة الأمريكية وليست الإسلامية التي تحشر الإسلام في ركن ضيق تخصصه لله رب العالمين بينما تترك كل شؤون الحكم وتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية للحاكم (قيصر) في تبعيض وتمزيق للقرآن وشرعه وفي حكم ببعضه وكفر بالآخر رغم النكير الشديد والتحذير الذي يزأر به القرآن الكريم : (..أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
لا أزال أسائل الرجل عن شريعته التي لم تفارق أهل السودان ..هل هي تلك التي كان السكارى يترنحون تحت حكمها في طرقات الخرطوم وبقية مدن وقرى السودان التي تضج بالأنادي والبارات التي كان تلفزيون السودان يصدح بإعلاناتها ويدعو إلى شرب البيرة المصنعة في الخرطوم (البيرة ابوجمل الشراب أسكوب ..كب يا علي بالكبابي الشب)؟ أم هي تلك التي تفتح محلات الدعارة داخل أحياء العاصمة المثلثة ليقف (المؤمنون) في صفوف متراصة أمام بيوت العاهرات المصدق لهن من قِبل السلطات الحكومية نظير رسوم تسدد بإيصالات أم هي تلك التي تبيح كل أنواع الاتجار في شتى أنواع المحرمات مستخدمة كل المضاربات الربوية وغيرها؟!
لم تكن تلك هي الشريعة الحقة أيها الرجل إنما هي الشريعة الأمريكية التي ظللت تنافح عنها رافضاً شريعة السماء الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر .
لو اكتفى الرفيق الذي سخر قلمه بل حياته للدعوة للعلمانية والتصدي لشريعة الإسلام .. لو اكتفى بنقد تجربة الإنقاذ في تنزيل ما ظلت تسميه بالمشروع الحضاري أو الإسلامي محاكما إياها بمطلوبات ذلك المشروع من قيم سامية تحاكم إليها الخلفاء الراشدون مثلا وتجسدت في سلوك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من طهر واستقامة وعدالة لما ناقشناه إنما أن يتخذ من الفشل الذي أصاب تجربة من نسبوا أنفسهم للشريعة منصة انطلاق للهجوم على الشريعة الإسلامية فهذا هو عين التطفيف والظلم البين.
لقد ظل العداء للإسلام ودعاته في كل مكان في العالم ديدن الرجل الناظم لحياته وذلك ما جرده من الموضوعية وأنزله منازل المهرجين فدعونا مثلا نناقش قوله(إن الوصول للسلطة بأية مبرر ظل هو الهدف الغائي للإخوان في كل زمان ومكان وهو الأمر الذي رسخته المنظومة التي قامت عليها الجماعة التي تزرع في عقول الأعضاء انهم يملكون الحق المطلق والحقيقة الكاملة….)
لأن هذا الرجل لم يجد من يتصدى له يا الزبير أحمد الحسن ويا علي جاويش ويا قادة الحركات الإسلامية ظل يهرف بهذا التخليط السطحي الفج !
لولا العداء الأعمى الذي يكنه للدعاة إلى الإسلام لأنصف ولقال كلاماً ربما يجد حظه من النظر والتقدير ولقال كلاما آخر يجعل حجته متماسكة تقوى على الصمود لكن الغرض مرض والمنطق الهزيل ينهار بأيسر مما يتهاوى بيت العنكبوت امام الرياح مهما ضعفت.
ماذا يقول هذا الرفيق الذي يتغافل مثلا عن تجربة حزب النهضة في تونس رغم علمه بحقيقة تخليها عن سلطة نالتها بانتخابات ديمقراطية شهد لها العدو والصديق؟! رغم ذلك يقول (الاخوان في كل زمان ومكان)!
ماذا عن مصر التي لم ينبس ببنت شفة ضد الانقلاب العسكري الذي اطاح بالاخوان رغم انهم جاؤوا بصندوق الانتخابات؟
إنه التطفيف والكيل بمكيالين الذي أسقطكم أيها الرفاق في امتحان الديمقراطية التي بها تتشدقون ولن يجعلنا نحن الإسلاميين نثق فيكم قبل أن تطلع الشمس من المغرب فمن يتجرد من الاخلاق لن يصدق في سلوكه ولا في اقواله ولو كان صاحبنا جديرا بالثقة لما لوى عنق الحقيقة لينتصر لفكره المعادي لكل من ينتمي إلى مدرسة الإسلام.
لن تجدنا أيها الرفيق ورب الكعبة نسلك سلوكك ونكيل بمكيالين ذلك أن ديننا ينهانا عن التلون والتذبذب الذي يعتبر نفاقاً يلقي بمقترفه في الدرك الأسفل من النار .

إسلام أمريكاني (3)
قلنا بالأمس إن كاتب صحيفة (السوداني) الذي جعل العداء للإسلام وشريعته هدفه الأوحد الذي تدور حياته كلها حوله منذ شبابه الباكر حكم بأن هدف الوصول إلى السلطة بأية مبرر ظل هو الهدف الأسمى للإخوان أو قل لكل دعاة الإسلام كنظام شامل للحياة، فقال إن ذلك ما (رسخته منظومة الأفكار الخاطئة التي قامت عليها الجماعة التي تزرع في عقول الأعضاء أنهم يملكون الحق المطلق والحقيقة الكاملة) !
أقول معقبا إنه لو أنصف ولم يحبس نفسه في قمقم السخط والعداوة التي لا تبدي غير المساوئ أو لو تخلص من لجاجة الفجور في الخصومة لكان أكثر موضوعية ولرأى حزب النهضة الإسلامي في تونس يتنازل عن حكم ناله بصندوق الانتخابات ، ربما لأول مرة في التاريخ البشري الذي لم يشهد مثيلا لتلك الواقعة حتى في أعظم الديمقراطيات الغربية ولنظر إلى ما حدث في مصر من انقلاب على الشرعية بغير ما ينظر بنو علمان والرفاق الذين سقطوا في امتحان الديمقراطية وأثبتوا تطفيفهم المكيال والميزان حيث لا يرغبون في ديمقراطية تأتي بغير ما يشتهون أو تنصب الإسلام ، الذي يبغضون ، حاكماً وسيداً على الأوطان.
كاتبنا (الهمام) لم ينبس ببنت شفة عما حدث في الجزائر أو في فلسطين من انقلاب على الإسلاميين وهم يكتسحون الانتخابات كما لم يقل كلمة واحدة عن مصر السيسي وانقلابه المشؤوم على شرعية الرئيس المنتخب محمد مرسي وظل ورفاقه جميعا وسيدتهم أمريكا يحتفون بالانقلاب على الشرعية التي تأتي بالبعبع الذي ترتج له أوصالهم وتنخلع له قلوبهم فهل بربكم نثق في هؤلاء الذين لا سقف لأمانيهم في الحياة إلا أن يقصى دين الله من الأرض كمشروع حضاري للتحرير والتعمير وخلافة الله في أرضه بما يرضيه سبحانه؟
لا عجب أن يتيم صاحبنا بمحمود محمد طه وأن يكتب مدافعا عنه ويسميه وزمرة بني علمان بالشهيد ويطلقون على تخريفاته وهرطقاته صفة (فكر) ولا يهمهم أن أتى مفكرهم الزنديق بما لم يسبقه إليه أحد من العالمين طالما أن ذلك مما يهدم الدين الذي يبغضون ومن ذلك مثلا ما أوحى إليه به الشيطان بأن الصلاة رفعت عنه دون غيره من البشر باعتباره (المسيح المحمدي) وصاحب الرسالة الثانية التي بعث بها من خلال الآيات المكية التي كانت تنتظر (مقدمه وبعثته) وغير ذلك من الترهات! بل أن بعض حيرانه ظنوا أنه لن يموت قبل أن يكمل رسالته وتلا بعضهم ، حين سقط جثمانه على الأرض بعد إعدامه ، آية (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)!
ثم من قال لك أيها الرفيق إن الحركات الإسلامية التي تسمونها بحركات الإسلام السياسي تزرع في عقول أعضائها أنهم يملكون الحق المطلق ومن قال لك أن الشخص (المؤدلج) يصعب عليه الاعتراف بالخطأ؟!
إنه التحامل الذي يعمي صاحبه ولو كان ما تقول صحيحا لما خرج كثيرون من الحركة الإسلامية احتجاجا ونقدا لبعض سياساتها ولعلاقتها بالحزب الحاكم والحكومة الأمر الذي حملها والمشروع الإسلامي الذي ما نشأت إلا لتمكنه وتبسطه تدينا واعمارا للإرض وإقامة للعدل والحكم الراشد وخدمة للشعب .. أقول حملها والمشروع الأسلامي أخطاء وأوزار وسياسات الحكومة مما مكن أمثالكم من بني علمان من الشماتة بها واتخاذ ذلك سبباً ومبرراً للاصطياد في الماء العكر والتشكيك في صلاحية الإسلام وشرعته الربانية لمواجهة تحديات العصر وتقلباته.


تعليق واحد

  1. و ليس لحمزة من بواكي , عندما يدافع الطيب مصطفى عن الاسلام فتلك مهزلة !!

    العلماني الذي تتحدث عنه لا يعادي الاسلام بقدر ما يعادي الحركات المتأسلمة و تلك تجربة بشرية من حقه ان ينتقدها الا اذا اعتقدت نفسك و زمرتك من امثال الزبير و شاويش معصومون .
    أصحاب الانادي و العاهرات الذين تدعي انهم يمثلون العلمانية و هو فهم فطير يمكن ان تخاطب به الأطفال و ليس في صحف تسودها بالكذب كانوا أشرف من كل قادتك و رؤوسائك , فلم يلغوا في اموال الشعب و لم يستبيحوا الدماء و لم يعتلوا المنابر و يحدثوا الناس بالاخلاق و هم أبعد الناس عنها و لم يزوروا و يكذبوا لتدوم لهم السلطة و الجاه .

    عن أي اسلام تتحدث ايها الخال الرئاسي ؟ ليس هذا هو الاسلام الذي تعلمنا قيمه في بيتنا قبل ان تطلعوا علينا يا طيور الشؤم .