تحقيقات وتقارير

الدواء يلحق بطائرة (المحروقات) أسعار الدواء.. المافيا تعبث بأرواح المعدمين


ارتفاع فاتورة بعض الأدوية ما بين 40-100% والنقد الأجنبي في دائرة الاتهام
الأمين العام لمجلس الأدوية والسموم: وفرة الدواء خير من عدمه

اتحاد الصيادلة: بنك السودان والمالية فشلا في دعم توفير مال الدواء
شعبة مصنعي الأدوية: الزيادة شملت الأدوية المصنعة محليا

صيدلاني: الحديث عن الدواء لا ينفصل عن واقعنا الاقتصادي المزري

ليس الوقود أو السكر أو حتى الخبز بل الدواء، الدواء هو من فاجأتنا القرارات بزيادة سعره ! الدواء الذي يضطر الفقراء لشرائه أكثر من الأغنياء لأن الظروف الصالحة لانتشار المرض متوفرة لديهم بكثرة وبما أنه لا مجال لديهم للفواكه أو (البسبوسة) كما نصحت إمبراطورة فرنسا أثناء الثورة الفرنسية ماري انطوانيت شعبها بتناولها عندما اشتكوا لها من الجوع بسبب أزمة الخبز فليس أمام البؤساء سوى الدواء الذي يشترونه غالبا بما ادخروه للغذاء .

تتحجج الجهات الرسمية بأن الأدوية المنقذة لحياة سعرها ثابت بينما زاد سعر بقية الأدوية وما درت الدولة أن دواء (الكحة) نفسه يعتبر منقذا للحياة لمريض لا تحتمل رئتاه إرهاق الكحة المتواصل.

كان مجلس الأدوية والسموم قد قام بتسعير الدواء بالسعر الرسمي وفي ذات الوقت سمح لشركات الأدوية بالاستيراد بالسعر الموازي بل حتى الأدوية المحلية زاد سعرها بنسبة تتراوح بين 25-35%

*البنك والمالية فشلا
اتحاد الصيادلة برر الزيادة في أسعار الدواء بعجز بتقصير المركزي ووزارة المالية بتوفير العُملات لشركات الأدوية حسب تصريح لرئيس الاتحاد صلاح الدين إبراهيم، ومن ثم اضطرت الشركات لاستيراد الدواء بالسعر الموازي مما جعل سعر الأدوية غير الأساسية يتضاعف وعلى المواطن تحملها حتى لو كانت الزيادة بنسبة 100%!

في مجلس الأدوية والسموم
(الصيحة) جلست إلى الأمين العامل لمجلس الأدوية والسموم الدكتور محمد الحسن العكد، وناقشت معه قضية الزيادة الفجائية في أسعار الدواء وسألته عن مبرراتها فأسهب في التوضيح قائلا: (كانت هنالك آلية بمبادرة من وزير الصحة الاتحادي رئيس المجلس القومي للأدوية والسموم في فبراير 2013 في اجتماع كبير في بنك السودان المركزي حضره السيد المحافظ ومديرو البنوك التجارية وشعبة مستوردي الأدوية وجهات الاختصاص الأخرى كلها وقد أصدر بنك السودان في هذه المبادرة قرارا بتخصيص 10% من الصادرات من غير الذهب والبترول لتلبية احتياجات الأدوية المستوردة بالنقد الأجنبي، حدث هذا بعد خروج البترول من موازنة الدولة بانفصال الجنوب وقد ارتفع سعر صرف العُملات الأجنبية تجاه الجنيه السوداني، هذه الآلية وفرت 10% ولكن بعد سنتين تم تقييم عمل الآلية فوجد أن هناك عجزا واضحا جدا في تغطية الـ10% لفاتورة الأدوية المستوردة فالسودان يستورد ما بين 250-300مليون دولار من القطاع الخاص فكان هناك عجز حوالي 40% من هذه القيمة مما استدعى المجلس لتقييم عمل الآلية وبعد ذلك رفع المجلس الأمر لقطاع التنمية الاجتماعية بمجلس الوزراء والقطاع بدوره ناقش القضية وكون لجنة برئاسة السيد وكيل وزارة الصناعة وعضوية المجلس وجهات الاختصاص الأخرى وتلك الآلية قامت بعمل كبير جدا مع الإخوة في الجمارك استمر قرابة الشهر لنتأكد من أن كل الأدوية التي دخلت البلد ومعروفة قيمتها والمقارنة بسجل الجمارك وقد أكدت الآلية صحة ما ذهبنا إليه بوجود عجز يقدر بحوالي 40 % ورفعت اللجنة الفنية تقريرها لقطاع التنمية الاقتصادي بمجلس الوزراء ونوقش التقرير وأجيز من القطاع في مايو2015 ومن ثم رفع القطاع الموضوع لمجلس الوزراء وتم نقاشه في المجلس وكانت إحدى التوصيات أن 10% من الصادرات غير البترولية وغير الذهب يوجه فقط للأدوية الأساسية والمنقذة للحياة والمواد الخام للأدوية المصنعة محليا، بقية الأدوية تأتي من الموارد الذاتية بمعنى أن السعر الرسمي يغطي فقط الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة والمواد الخام للصناعة الوطنية كسعر ثابت وبقية الأدوية سعرها متحرك وفقا لسعر الصرف الموازي وهذا نتج عنه بعض الزيادات في الأدوية غير الأساسية والمنقذة.

ولكن حتى الأدوية التي زاد سعرها كان المجلس قد سعرها بالسعر الرسمي ثم عاد وسعرها بالسعر الموازي ألا يشكل ذلك خللا في سياسة المجلس يدفع ثمنه المواطن المسكين؟ سؤال طرحته (الصيحة) على العكد فأجاب بأنه ومنذ قرار الآلية في مارس 2013 حتى آخر قرار صدر من مجلس الوزراء لم تكن هنالك أي تسعيرة إلا بالسعر الرسمي ولكن بعد قرار قطاع التنمية الاقتصادي والتوصية التي رفعها لمجلس الوزراء وتوجيهه بتسعير الأدوية الأساسية بالسعر الرسمي وبقية الأدوية بالسعر الموازي بدأ المجلس بعد ذلك بالتسعير بالسعر الموازي .

ولكن هذه ردة عن القرار الأول نحن نعتبرها!

للعكد وجهة نظره في تبرير الاتهام الذي وجهناه للمجلس يعتبر فيه أن وجود الدواء هو المهم فإذا استمر الحال بالصورة الأولى قد لا نتمكن فقد لا يتمكنون من توفير الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة نفسها حسب تعبيره .

ولكن الأدوية نفسها أسعارها متفاوتة في الصيدليات والسماح لشركات الأدوية باستيرادها من شأنه أن يجعل كل شركة تضع السعر الذي يوافق مزاجها خاصة في ظل الرقابة الضعيفة على الأدوية والتي اشتكت منها صحة الخرطوم نفسها؟

متى يسعر الدواء؟ يتساءل العكد ويجيب بنفسه عن سؤاله: (يسعر عند وصوله لأي ميناء داخلي بورتسودان أو مطار الخرطوم قبل التخليص يستلم مستورد الدواء سعر الجملة وسعر البيع للجمهور فليس هنالك شركة تسعر لوحدها وقبل التخليص يأتي المستورد ليستلم توصية بالتخليص ومعها سعر البيع).

وهل الشركات ملتزمة بلائحة الأسعار التي تستلمها منكم ؟

يجيب: (نحن نقوم بحملات دورية على الشركات وأي شركة لا تلتزم بالأسعار تعرض نفسها للمحاسبة، الرقابة مفوضة فيها السلطات الصحية بولايات السودان وفي خطتنا لهذا العام لدينا تصور جديد سيتم رفعه لمجلس الإدارة وإذا أجيز ستكون طريقة الرقابة مختلفة.

فنحن نعمل مع القطاع الخاص والمستوردين ومصنعي الأدوية الأساسية والمنقذة للحياة للعمل على طباعة السعر على العبوة الخارجية لنضمن استقرار الأسعار لفترات طويلة فإذا توصلنا معهم لاتفاق لطباعة السعر ستكون الرقابة ذاتية من قبل المواطن نفسه .

هل نزلت الزيادات للصيدليات أم مازال الأمر مجرد قرار؟

يقول العكد إنها نزلت فعليا وحتى الصناعات المحلية تتفاوت فيها الزيادة مابين 15-40% لأن الأدوية المحلية تستورد لها المواد الخام وقد زدنا لهم الأسعار لتطوير مواردهم.

برأيك ماذا سيكون صدى زيادة الأسعار على المواطن الغلبان ؟

يقول :(على الأقل أن الأدوية الأساسية لم يتغير سعرها ولكن تتغير أسعار الأدوية غير الأساسية ونحن أيضا على تواصل مع الدولة لزيادة الدعم المقدم للأدوية، أيضا نحن نتابع برنامجا بدأناه منذ 2013 لمراجعة أسعار الأدوية المسجلة فراجعنا عددا كبيرا فاق الـ1300 دواء وخفضنا أسعارها مابين 10-70% ولكن للأسف زيادة سعر الصرف مقابل الجنيه السوداني امتص كل التخفيضات التي أجريناها. فإذا تحسن سعر العملات الأجنبية مقابل الجنيه سيصب ذلك في خانة تخفيض أسعار الدواء).

بخصوص الأدوية المنقذة للحياة حسب علمي هنالك توجيه رئاسي بأن الإمدادات هي الجهة المخولة باستيرادها فلماذا تسمحون للمستثمرين باستيرادها؟

يجيب العكد بأن الإمدادات تستورد بنفسها وأحيانا كثيرة تستورد من الوكلاء المحليين للشركات الأجنبية لأن كل شركات الأدوية لديها وكلاء بالداخل .

برغم الظروف التي تمر بها البلاد لكن نحن نقدر أن الوفرة الدوائية الموجودة معقولة جدا وليس هناك خوف على المواطن وصحته، وإذا حدث نقص نتصل بالشركة مباشرة لنعرف أين المشكلة ونحلها مباشرة، ويردف: (عموما يهمنا الوفرة الدوائية فإذا النقود موجودة وليس هنالك دواء فهذه هي المشكلة.

ويتهم رئيس شعبة مصنعي الأدوية الدكتور أحمد البدوي في تصريحات صحفية بنك السودان بالفشل في توفير العملات الأجنبية لتوفير الدواء لذلك سمح للشركات بالاستيراد من الموارد الذاتية، وقال إن الزيادة شملت حتى الأدوية المصنعة محليا.

* الدواء ليس بمعزل
وفي استطلاع أجريته في بعض الصيدليات لرصد صدى القرار عليهم يقول دكتور جعفر محمد عمر حسب الله إنه لا يمكن الحديث عن الدواء بمعزل عمَّ يحدث في البلد لأن ذلك كله يحدث بسبب السياسة الخاطئة للدولة التي ظلت تمارسها طوال تلك الفترة وكانت نتيجتها فشل اقتصادي وغلاء فاحش وترد للخدمات في كل المجالات، ويردف: (بشرونا بأن البترول القادم سيحل مشكلة البلد ولكنه لم يفعل، بشرونا بكنانة والرهد فلم تقوما، بشرونا بتمزيق فاتورة القمح ولم يفعلوا وهكذا، مالم تحل الدولة قضية الحرب وتعيد الشكل الإداري للدولة لن تفلح، فكل الصرف أصبح الآن موجها لأجهزة الدولة والصرف على الحرب ومن ثم تراجعت كل الصادرات غير البترولية وحتى تستطيع الدولة تغطية كل ذلك لابد أن تلجأ للزيادات غير المباشرة في الأشياء الأساسية رغم أن الدواء سلعة أساسية لا تحتمل، في الوقت الذي تتوفر فيه كل ظروف المرض (التلوث في الماء والهواء والأغذية الفاسدة ويوم العمل الذي أصبح أكثر من 16 ساعة) كل ذلك يؤثر على صحة المواطن وحتى التأمين الصحي وغيره من المؤسسات التي انشأتها الدولة أصبحت غير قادرة على القيام بواجبها، كما أن الأدوية المغشوشة أصبحت متوفرة بكثرة و(داخلة ومارقة) بيسر إضافة لتهريب الأدوية .

نحن بحاجة لإعادة فهمنا للإمدادات الطبية والحديث عن أنها مؤسسة يفترض أن تغذي مؤسسات الدولة غير مقدس وفي عهد المرحوم مندور المهدي، هبطت أسعار الدواء كثيرا واعتقد أنها لو تأهلت وقدمت لها إمكانات وتوفرت لها الحماية المطلوبة تستطيع أن تسهم في حل الأزمة الحاصلة .

هل تعتقد أن سماسرة الأدوية والمستثمرين فيه أسهموا بدخولهم في هذه الأزمة؟

عندما نتحدث عن الاستثمار لابد أن نتحدث عن ضوابطه والحماية المقدمة له، لا يمكن أن نستثمر ونحن في ظل حرب، رأس المال الأجنبي جبان لا يأتي إلا في ظروف استقرار بينما شرد رأس المال المحلي بسبب ظروف الاستثمار غير المهيأة فالمسألة تحتاج مراجعة كل تلك السياسات.

*غرفة النقل تمتنع

(الصيحة) حاولت استنطاق غرفة مستوردي الأدوية فاتصلت على دكتور محيي الدين الذي رد بأنه ليس الناطق الرسمي باسم الغرفة ووجهنا للاتصال بدكتور صلاح كمبال ففعلنا ولكنه لم يرد على المكالمة ولا الرسالة التي أرسلناها له .

*لا يمكن

الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير سألته (الصيحة) تعليقا اقتصاديا حول زيادة أسعار الدواء وربما لأن الأمر يعتبر غير منطقي اقتصاديا بدا الناير غير مصدق وطلب منا الاستوثاق من الجهات المسؤولة حول صحة الخبر وعندما قلنا له إننا فعلنا قال: (مؤكد أن الأدوية من السلع الإستراتيجية والمهمة والمتعلقة بصحة وحياة الإنسان والدولة ظلت توليها أولوية في توفير النقد الأجنبي لاستيراد الفجوة والعمل على زيادة معدلات التصنيع داخليا ولا اتوقع أن تواصل الدولة أو تسمح بأن يتم زيادة الأدوية بهذه النسبة الكبيرة حسبما أعلن لأن هذا أمر يلقي المزيد من العبء على المواطن) .

قلنا للناير إن القرار صدر بتوجيه من مجلس الوزراء فصمت الناير ولم يحر جوابا .

تحقيق: هويدا حمزة
صحيفة الصيحة