تحقيقات وتقارير

الحكومة الانتقالية.. خيار متفق عليه في مخرجات الحوار


سارع المؤتمر الوطني بنفي حديث “الترابي” لصحيفة (الشرق القطرية) حول رؤية حزبه بشأن تكوين حكومة انتقالية، وكان “الترابي” قد أكد خلال اللقاء الذي أجرته معه الصحيفة وتداولته الصحف المحلية والمواقع الإخبارية أن رؤية حزبه تقوم على تكوين حكومة انتقالية لمدة عامين يرأسها الرئيس “عمر البشير”، ويكون لمجلس وزرائها سلطات تنفيذية، وتواصل المؤسسات التشريعية الحالية عملها في تقنين مخرجات الحوار، وقال في إطار شرحه للفكرة: بعد نهاية الفترة الانتقالية تجرى انتخابات عامة يُحظر خوضها على شاغلي المناصب الدستورية والتشريعية، وذلك لتحييد آلية الدولة، وتتولى الجمعية التأسيسية المنتخبة ، إجازة دستور دائم للبلاد، وتكون الرئاسة دورية في مجلس سيادة، يراعي التنوع في السودان”.
المتابع لتصريحات قيادات المؤتمر الوطني حول قيام حكومة انتقالية، يلاحظ أنها لم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترفض فيها بعض قيادات المؤتمر الوطني خيار قيام حكومة انتقالية، وقد يكون لأسباب سياسية مرتبطة بوضع الحزب أو مجريات الحوار، لكن وفقاً لواقع الأحداث يبدوأن مقترح حكومة انتقالية، كان ضمن المقترحات التي تم الاتفاق عليها في اللقاءات الثنائية ، التي جمعت بين “البشير” ودكتور “الترابي” قبل بداية الحوار، وكان من بين هذه المقترحات إزاحة بعض شخصيات الحرس القديم من السلطة، الذي تم قبل استئناف الحوار، ومن ثم تم الاتفاق على ملامح عامة، قادت حزب”الترابي” للمشاركة في الحوار.
وحسب حديث أحد منسوبي حزب المؤتمر الشعبي ، المطلعين على تفاصيل الأمور، فأن أبرز هذه الملامح العامة ،هي مقترح أن تكون هناك حكومة انتقالية برئاسة البشير وانتخاب مجلس تشريعي جديد، يضم الأحزاب التي شاركت في الحوار حال وصوله إلى نهاياته، ووضع دستور دائم للبلاد، وحزب المؤتمر الشعبي من جانبه سبق أن عضد ما يتم تداوله بين قياداته من حديث حول الحكومة الانتقالية، بورقة طرحها الحزب في جلسات الحوار ، وحظيت بردود فعل متباينة، وشددت رؤية المؤتمر الشعبي في هذه الورقة على ضرورة الاتفاق على حكم انتقالي تدير البلاد خلاله منظومة قومية، تنشأ مؤسساتها وتعين عضويتها بالتراضي والتوافق، ويمكن أن تقوم وفقاً لأحكام دستور السودان الانتقالي للعام 2005م السارية أحكامه حالياً ، مع إجراء تعديلات لازمة عليه بالتوافق والتراضي، تناسب المرحلة، ليكون هناك مناخ سياسي صادق، يهيئ الجمهور للاندراج في سياق مشروع قومي للانتقال، ويساعد على تطوير نظام الحكم المؤقت، بما يكفل الحـرية والموالاة السياسية، والتوافق على تراتيب ولاية الأمر القومي والولائي، تيسيراً للمشاركة في الانتخابات العامة المرجوّة في نهاية الفترة المؤقتة، حتى يخرج كل الوطن عبر انتخابات حرة ،إلى مستقبل تأسيس الدستور الثابت المتراضي عليه.
والورقة تحدثت عن وضع انتقالي يتكون فيه المجلس التشريعي الانتقالي، من عضوية عددها لا يتجاوز المائة، ربعهم من النساء كحد أدنى ، ويتولى سلطة التشريع والرقابة على الأداء التنفيذي، ويكون هناك مجلس وزراء انتقالي، ملخص الورقة يشير إلى أن كل مؤسسات الدولة ستكون في وضع انتقالي إلى أن تجرى الانتخابات.
رفض المؤتمر الوطني لمقترح الحكومة الانتقالية التي يرأسها “البشير” لعامين ،يفهم في سياقين، السياق الأول أن المقترح موجود ومتفق عليه ،على أعلى مستوى في الحزبين (البشير والترابي)، لكن هناك قيادات داخل الحزب الحاكم ترفض هذا المبدأ ، باعتباره يمهد لسحب البساط من تحت اقدامها ، وتعتقد أن “الترابي” يريد العودة للسلطة من جديد، كما أنها غير مقتنعة بفكرة الحوار أصلاً، ومثل هذه القيادات موجودة في المؤتمر الوطني ، والآن تراقب ما يجري في (قاعة الصداقة) من بعيد، وقد يكون بعضها ليست لديه سلطة كافية بعد ما تم إبعاد بعضهم من مواقع صنع القرار. السياق الثاني أن بعض قيادات الوطني ترفض شكل الحكومة الانتقالية ، التي تتحدث عنها قوى (نداء السودان)، ومن بين هؤلاء دكتور “نافع” الذي سبق أن استخف في ندوة بضاحية “الكلاكلة”، بمطالبة هذه القوى بتشكيل حكومة انتقالية، وقال “إن المعارضة واهمة، ولحس الكوع أقرب لها من السلطة “. ورغم أن الإعلام تحدث حينها عن أن دكتور “نافع” أيد ما ذهب إليه نائب رئيس الحزب “إبراهيم محمود” برفض مقترح تقدم به المؤتمر الشعبي، داخل لجان الحوار يقضي بقيام فترة انتقالية، إلا أن محدثي بدوره أكد أن حديث “نافع” كان موجهاً لقوى تحالف الاجماع الوطني وليس المؤتمر الشعبي.
هناك ثمة إشارة أخرى، ربما تؤكد موافقة المؤتمر الوطني على قيام حكومة انتقالية، كان قد أطلقها مسؤول ملف دارفور “أمين حسن عمر” في تصريح سابق له، دعا خلاله حزبه للتريث في رفض مقترح حكومة قومية انتقالية ، وعدم استباق نتائج الحوار، وطالب “أمين” بعدم الاستعجال واستباق الأحداث، بيد أنه كذلك استنكر المطالبة بذهاب حكومة منتخبة، ووصف الطلب بعدم الموضوعية، لكن دعوته للتريث ، يمكن أن تشير إلى أن “أمين” مطلع على تفاصيل الاتفاق الذي تم بين الرئيس “البشير” ودكتور “الترابي” ، حول ضرورة وجود وضع انتقالي، أيضاً هناك إجماع على وجود وضع انتقالي، حال أجمعت القوى المشاركة في الحوار الوطني على ذلك، وسبق أن قال عضو الأمانة السياسية لتنظيم الأخوان المسلمين ، ممثل التنظيم في لجنة قضايا الحكم للحوار الوطني لـ المجهر: إن (74%) من عضوية لجنة قضايا الحكم يؤيدون قيام حكومة انتقالية، وقد يكون الاختلاف بعد ذلك في التسمية، هل تكون حكومة قومية انتقالية ، أم حكومة انتقالية، الأحزاب المعارضة من ناحيتها ظلت تربط بين مشاركتها في الحوار وقيام حكومة انتقالية، وظل هذا المطلب مطروحاً في كل طاولات التحالف المنعقدة في داخل وخارج السودان . ربما قد يكون الاختلاف أيضاً حول من يحكم الفترة الانتقالية.
“الترابي” يبدو أنه التقط هذه الرغبة الحزبية وبادر بتبني حزبه لطرح حكومة انتقالية يرأسها “البشير” ، و”البشير” بالمقابل كان يبحث عن مخرج لحل أزمة البلاد، ووجد الحل في طرح “الترابي”، الذي بدأ بالحوار الوطني، وسينتهي بمقترح تفصيلي لخيارات الحكم في السودان.
ما يدور في اجتماعات حزب المؤتمر الوطني المغلقة، قد يكون عكس ما ينشر من تصريحات لقيادات المؤتمر الوطني ، حيال رفضها لفكرة قيام حكومة انتقالية، وطالما أن الرئيس قال إنه ملتزم بمخرجات الحوار، فليس بعيداً أن يكون قيام حكومة انتقالية ضمن هذه المخرجات، ومقترح المؤتمر الشعبي سيكون مقبولاً لدى الرئيس، باعتبار أنه رئيس الفترة الانتقالية ، رغم نفي بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني للحكومة الانتقالية، إلا أن قيامها أمر وارد بنسبة كبيرة.

المجهر السياسي