جعفر عباس

الذكي «يتشيخخ»


خلال سنوات حكم الرئيس جعفر نميري للسودان تم قبولي كسكرتير ثالث في وزارة الخارجية بعد اجتياز سلسلة من الامتحانات التحريرية و(الإنترفيو)، ولأنني كنت أعرف أن نميري لا يحبني فقد احترمت نفسي ورفضت الانخراط في السلك الدبلوماسي، ثم قرأت مؤخرا خلاصة دراسات أجراها أساتذة من جامعتي إدنبره وغلاسغو في اسكتلندا بأن من لديهم معدل ذكاء (آي كيو) عال يعيشون أطول من ذوي الذكاء العادي أو المتدني، وتذكرت أنني احرزت 130 درجة في اختبار الذكاء الذي أجرته لنا الخارجية السودانية، وإذا عرفنا أن معدل الذكاء عند اينشتاين كان 150 وأن دماغه الذي مازال محفوظًا في متحف طبي كان أكبر من حجم الأدمغة العادية بنحو 15%، وإذا عرفنا أن أول اسم دلع أسبغته عليّ أمي كان «أبو رأسين»، اتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن أبا الجعافر شخص غير سهل وأن أمامه مستقبلاً عريضًا وأن عمره بإذن الله طويل.
ثم قرأت بحثًا أعده الدكتور توم كيركوود المتخصص في طب الشيخوخة في جامعة نيوكاسل البريطانية، جاء فيه أن التقدم في الأبحاث الطبية قد يؤدي إلى إطالة عمر البشر إلى 130 سنة خلال العشرين سنة المقبلة. وحدثت صديقًا لي بأمر ذلك البحث، فتساءل: «وانت مالك ومال البشر؟ يا عزيزي هؤلاء يتحدثون عن بشر يحظون برعاية طبية وأعمارهم بضع دقائق، وهل تم تطعيمك وأنت طفل ضد أي مرض؟» تذكرت أن «التطعيم» الذي نلته في المهد كان بحشو فمي بالفول المهروس كي اعتاد عليه، وهكذا أصبحت محصنًا ضد الطعام «الفاخر»، وما أكلت شيئًا في مطعم فخم أو فندق إلا وتحول جهازي الهضمي إلى فرقة لموسيقى الروك.
وهب أن أبا الجعافر كان في ذكاء آينشتاين، هل يكفيه ذلك كجواز مرور إلى شيخوخة متأخرة بنصف قرن؟ لو علم أولئك الجهابذة بأمر جهازي الهضمي الذي هلهلته الأكلات المحظورة دوليًا، لما أطلقوا الكلام على عواهنه وعمومياته، ولو كان في لجنة جائزة نوبل خير لمنحتني جائزة نوبل لـ«البقاء»، والتي كنت سأرفضها لأنّ أهلي النوبيين سيتفاخرون بأن (جافر أخدت جائسة نوبل للبغاء!). كان باستير على عهد طفولتي قد شبع موتًا ولكن أهلي لم يكونوا قد سمعوا عن بسترة اللبن، بل لو حدثت أمي اليوم عن ضرورة البسترة لصاحت في وجهي: بلاش مسكرة. وكان نيوتن قد راقب التفاحة وهي تسقط وتوصل إلى نظرية الجاذبية ولكن أهلي لم يكونوا قد رأوا وقتها التفاح.
وكان ألكسندر فليمنغ قد اكتشف أن البنسلين يكمن في المواد المتعفنة، وكان أهلنا وقتها يطعموننا البنسلين الخام، ثم ما هو ذلك الآي كيو معدل الذكاء؟ وما مدى مصداقيته؟ (جماعة اللغة يقولون «صدقية» وليس «مصداقية»، والرئيس والرئيسة وليس الرئيسي والرئيسية، ولكن ألا يودي في داهية أن أقول، مثلاً: العيب أو الخلل «الرئيس»؟ ونحن نعرف أن رجال المخابرات عندنا يستطيعون تشريح النملة من دون مشرط، ثم كيف اسمح لنفسي بإحلال كلمة رئيسة بدلاً من رئيسية وأنا ضد أي شيء يعطي الرئاسة للنساء، ألا يكفي أن نون النسوة تسببت عدة مرات في تدني درجاتي في امتحانات قواعد اللغة العربية؟).
من هو هذا الغر المغرور الذي يحسب أنه اخترع ميزانًا يقاس به ذكاء البشر؟ لو كان ذلك الميزان صحيحًا فإنه يعني أنني من أذكى أهل الشرق الأوسط، وكيف أكون ذكيًا وأنا مازلت أقيم في الشرق الأوسط؟

jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد

  1. لكن احلي حاجة طعموك بالفول و هو حال كل شعوب وادي النيل يحبون الفول حبا جما ، و يا ريت لو لقي مخلل وجبنه مالحة