احلام مستغانمي

كان رجل اللغة القاطعة


كانت جمله تقتصر على كلمات قاطعة للشكّ، تراوح بين «طبعًا» و«حتمًا» و«دومًا» و«قطعًا».
وبإحدى هذه الكلمات، بدأت قصّتهما منذ سنة. تمامًا كما بإحداها انتهت منذ شهرين.
تذكر أنّه يومها، قطع المكالمة فجأة، بإحدى هذه الكلمات المقصلة، وأنّها بقيت للحظات معلّقة إلى خيط الهاتف، لا تفهم ماذا حدث.
اكتشفت، بعد ذلك، أنّه لم يكن بإمكانها أن تغيّر شيئًا. فتلك الكلمات ما كانت لغته فحسب، بل كانت أيضًا فلسفته في الحياة، حيث تحدث الأشياء بتسلسل قدريّ ثابت، كما في دورة الكائنات، وحيث نذهب «طوعًا» إلى قدرنا، لنكرّر «حتمًا” بذلك المقدار الهائل من الغباء أو من التذاكي، ما كان لا بدّ «قطعًا» أن يحدث، لأنّه «دومًا» ومنذ الأزل قد حدث، معتقدين «طبعًا» أنّنا نحن الذين نصنع أقدارنا!
كيف لنا أن نعرف، وسط تلك الثنائيّات المضادّة في الحياة، التي تتجاذبنا بين الولادة والموت.. والفرح والحزن.. والانتصارات والهزائم.. والآمال والخيبات.. والحبّ والكراهية.. والوفاء والخيانات.. أنّنا لا نختار شيئًا ممّا يصيبنا..
وأنّنا في مدّنا وجزرنا، وطلوعنا وخسوفنا، محكومون بتسلسل دوريّ للقدر. تفصلنا عن دوراته وتقلّباته الكبرى، مسافة شعرة.
كيف لنا أن ننجو من سطوة ذلك القانون الكونيّ المعقّد الذي تحكم تقلّباته الكبيرة، تفاصيل جدّ صغيرة، تعادل أصغر ما في اللغة من كلمات، كتلك الكلمات الصغرى التي يتغيّر بها مجرى حياة
” فوضى الحواس ”