مقالات متنوعة

منى عبد الفتاح : مراكز «المساج» ما بين المسموح والممنوع


يدور حديث المدن رسميا وشعبيا هذه الأيام عن انتشار ظاهرة مراكز التدليك والمساج. فلو كانت هذه المراكز في أي مكان آخر في العالم لما احتاج القوم لمسوغات وجودها سواء كانت هذه المسوغات تجارية مادية أو تتعلق بمسألة الحريات الشخصية، نختلف معهم فيها أو نتفق، ليست هذه هي المشكلة الأساسية، وإنّما المشكلة في أين تتم وبأيّ مبرّر.
إنّ قرارات الإغلاق – التي شملت خمسة مراكز للياقة البدنية والمساج، بعدد من أحياء الرياض، لوجود مخالفات جسيمة، حسب رئيس بلدية حي الروضة، تم رصدها خلال ثلاثة أيام – توضح أنّ ما يتم في بقية أيام السنة قد يكون أكثر جسامة. وهذا بالطبع لا يعفي بقية المراكز من وضع رقابة أو حملات تفتيشية بتصريح رسمي ودون إذن مسبق منها.
وحتى يكون الحُكم موضوعيا على هذه الظاهرة الغريبة في مجتمع محافظ، فيجب ألّا نلقي بكل اللوم على القيم الدخيلة وحدها، فمن غير المنطقي حصر انتشار هذه الظاهرة الاجتماعية أو تلك في قضايا التأثير والتأثر بحضارات وقيم الغير إلى هذا الغير المجهول وحده. وليست المشكلة كذلك في العمالة الأجيرة وحدها بجنسياتها وجذورها المختلفة، فهناك صاحب عمل يريد لعمله أن يستمر وينتعش، وهناك متدافعون على هذه الخدمة، وإن كانت هناك وقفات للمعالجة فلكي تأتي بنتائج سليمة، لا بد من عملها على تشريح كامل لكل هذه العوامل.
ومع أنّنا نعترف بأنّ المساج «التدليك» هو من أقدم الفنون العلاجية في الحضارات القديمة مثل الصين وغيرها والتي عُرفت منذ آلاف السنين، فإنّه عربيا يُعتبر أيضا تقليدا عريقا ولكنّه يرتبط بشكل خاص بطقوس الحياة الزوجية. ومن أنّ الكلمة تُفسر بشكلها المجرد بأنّها عملية تخلق نوعا من الارتياح وتخفف من الضغوط العضلية والذهنية، لعملها على تنشيط الدورة الدموية، فإنّها لا تلبث أن تعود إلى هذه الدائرة الخاصة مرة أخرى.
مساج تايلندي وسويدي وفلكسولوجي ومساج 4×1 وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، حتى صوالين الحلاقة، تطالعك على الشارع العام ومنظر رجال وشباب، في حالة نصف استلقاء، تُدلك وجوههم بالصنفرة المُخلّطة على أنواعها: خيار وبابونج وتوت بري وغيرها. هذا بالطبع أهون مما يدور حوله الحديث هذه الأيام في غرف المساج بنوعيه النسائي نسائي، والرجالي رجالي. ولكن هذه المحلات أيضا تخرج عن تخصص ما تم الترخيص له بأن تتم بها الحلاقة وتتجاوزها إلى جلسات تجميل وتنعيم، لم تكن في قاموس الحلاقة من قبل، ولما دخلت، فعلت ذلك على استحياء، أما الآن فقد خلعت برقعها وهي تحدّق في الجميع.
لماذا هذه الجرأة، ليس عند جمهور المتقدمين لهذه الخدمات التي تتنوع الإعلانات لها وحدهم، وإنّما هناك حواش وقواميس لجذب الزبائن، وبالتالي تدرُّ دخلا كبيرا ينافس أي خدمة أخرى، ليس القصور في الإجراءات والتصريحات والتراخيص لأنّ لهؤلاء ألف باب يمكن أن ينفذوا منه بترخيص.
الممنوع والمسموح يُطبق وفق النظام الأخلاقي والديني من حيث هو جُزءٌ من المسلكية العامة، ويتمثل في حضور الوعي العام بالجذور التاريخية لمعالم وقيم المجتمع، فليس من المهم أيضا مقرّ الخدمة وترخيصها، فما تقود إليه عملية المساج إنّما يعود إلى طبيعته وطريقة القيام به، والحل الذي تم اقتراحه مسبقا هو أن تخصص ضمن نظام طبي علاجي ومؤسس بتصريح رسمي يراعي ضرورات تنظيمها، وتوجيه عملها عبر هذه المراكز العلاجية التابعة للمستشفيات أو المستوصفات وفق شروط معينة، فالمستشفيات الخاصة اليوم تشغل أغلب مبانيها الرئيسة أقسام التجميل والرشاقة، وهذا التدليك يقوم به أطباء وفنيو العلاج الطبيعي، وبأجهزة مخصّصة لهذا الغرض، أي إنّ هذا الجسد الذي يُفترض أن تكون له حُرمته لا تمسّه الأيدي.
mona.a@makkahnp.com