الطاهر ساتي

هل فهمت الدرس ؟


:: أخيراً..وزارة الصحة بالخرطوم – على لسان مدير المؤسسات العلاجية الخاصة – تطالب السلطات بانشاء نيابة مختصة بالفصل في (قضايا الصحة)..طلب مٌهم و (متأخر)، وأن يطلبوا (أخيراً جداً ) خير من ألا يطلبوا (مُطلقاً)..وشكراً لشركة النيل للأعشاب على تجاوزاتها ومخالفاتها التي تؤرق مضاجع وزارة الصحة بالخرطوم وتُضعف سلطتها لحد عجزها عن المساءلة والمحاسبة ..نعم، لولا شركة النيل للأعشاب وقوة نفوذ أصحابها – وسلحفائية الإجراءات النيابية – لما طالبت وزارة الصحة السلطات العدلية بإنشاء نيابة مختصة بالفصل في (قضايا الصحة)..!!
:: فالسلطات في بلادنا لا تشعر بقيمة العدالة الناجزة – وما فيها من عنصري الدقة والسرعة – إلا حين تغرق هي ذاتها في (بحر الظلم) أو (الإجراءات السلحفائية) ..وأحسنت شركة النيل للأعشاب عملاُ وهي تغرق السادة بوزارة الصحة في بحر الإجراءات العدلية السلحفائية – نقيض العدالة الناجزة – ليطالبوا وزارة العدل بنيابة مختصة بالفصل في (قضايا الصحة)..فلينظر السادة بوزارة الصحة شرقاً الى حيث موقع المجلس الطبي وحال الباحثين عن (العدالة الناجزة) ولايجدوا غير التلكؤ والتسويف ..هناك، تجد من تقدم بشكواه ضد مستشفى قبل (أكثر من عام)، وينتظر الرد.. ومن تقدم بشكواه قبل أكثر من نصف عام و ينتظر الرد.. و.. و..وهكذا..مواطنون في إنتظار العدالة لحين الإستياء ثم غض الطرف عن القضية أو لحين (موت الشاكي) ..!!
:: قبل عقد ونيف، عندما كان الدكتور الإمام الصديق أميناً عاماً، طرح المجلس فكرة إنشاء نيابة ومحكمة مختصة للفصل في قضايا الصحة والطب، بحيث يكون الحكم القضائي بديلاً لقرار المجلس المهني..ولكن، لم تجد الفكرة قبولاً في الوسط الطبي ولم تدعمها وزارة الصحة، ولذلك ماتت الفكرة قبل أن يتبين للرأي العام جدواها أوعدم الجدوى..وهكذا السلطات في البلاد، تقتل الأفكار الإصلاحية لحين وقوع الكوارث أو لحين وقوع إحدى السلطات في (بحر الكوارث)..فالنيابة أو المحكمة المختصة بالفصل في القضايا الطبية وكل قضايا الصحة ليست بدعة سودانية، بل معمول بها في السواد الأعظم من دول العالم..!!
:: على سبيل المثال، أنشأت مصر قبل عقود النيابة والمحكمة المختصة بالقضايا الطبية وقضايا الصحة، وكذلك السعودية..ومع ذلك، هنا من يرفض مجرد التفكير في آلية كهذه بمظان فكرة إنشاء نيابة ومحكمة ذات صلة بقضايا الصحة والطب تعني إدانة مسبقة للمشافي والأطباء، أو هكذا (التبرير الغريب)..هذا التبرير لا يقف على سيقان المنطق.. ولو فكرنا في كل القضايا بهذا المنطق، لما كانت في بلادنا أية نيابة أو محكمة مختصة..فالنيابات والمحاكم – بكل أنواعها – لا تعني إدانة المجتمع، بل تعني وقايته وإنصافه بالعدل..ونيابات ومحاكم الضرائب والجمارك والصحافة والنفايات والاتصالات والمصارف وغيرها، لا تعني أن بعض الشعب مدان حتى يثبت براءته بواسطة تلك النيابات والمحاكم المختصة..!!
:: و من العدل أن تنظر في قضايا الناس والسلطات جهة عدلية و ليس (مجلس مهني)..وليس من العدل أن يتلقى المستشفى أو الطبيب عقابين في (قضية واحدة)، وهذا ما يحدث حالياً..نعم عقاب المجلس الطبي للمستشفى والطبيب، والذي دائماً يكون من شاكلة إسداء النصح و(الطبطبة)، لا يمنع أهل المريض من اللجوء إلى المحكمة أيضاً..وخير لأطباء المجلس الطبي أن يبتعدوا عن مواجهة زملائهم وعقابهم ولو (بإسداء النصح)..فليكن هذا المجلس مهنياً مساهماً في تطوير المهنة بالرقابة الفنية والمهنية..أما النظر في قضايا الأخطاء الطبية و المخالفات الصحية، فالنيابة والمحكمة الطبية أو الصحية هي الأفضل والأمثل..وزارة الصحة بالخرطوم لم تكن بحاجة إلى درس شركة النيل للأعشاب لتفهم معنى ( العدالة الناجزة)..!!