رأي ومقالات

أحداث الجنينة… ماذا وراء الأكمة؟؟…


يحكي التاريخ المعاصر والمعاش أن منطقة الجنينة دار أندوكة قد انضمت الى السودان بموجب اتفاقية سنة 1934 والتي بموجبها تحولت هذه الرقعة الجغرافية من وصاية النفوذ الفرنسي بمنطقة حوض بحيرة تشاد الى جزء عزيز من الوطن الأم جمهورية السودان الحالية، وظلت تركيبة المكونات الاجتماعية لهذه الرقعة متداخلة ومنسجمة بشكل سلس حتى لحظة انفجار الصراع الدموي في منتصف تسعينيات القرن الماضي بين المساليت وبعض القبائل العربية، إبان حكم الوالي محمد أحمد الفضل دقشم، الذي جاء بشهية الانقضاض على الإدارة الأهلية فأسرف في استخدام بهار السلطة بمواكب حركية صاخبة الصفافير كانت تمزق بقسوة عذرية ذاك المجتمع الريفي البسيط…. وحقيقة اجتهد الوالي«دقشم» في ترسيخ مفهوم النقلة التي تمت في الحكم الفيدرالي الذي يعتقد منظروه حينها أن هيبة الإدارة الأهلية وخاصة في مناطق النفوذ البعيد مثل دارفور، ستشكل متاريس حقيقية أمام تمدد سلس لجريان نهر شعارات الإنقاذ الذي غطى طميه حقول الأحزاب التقليدية التي فرطت برعونة في الاستثمار الذكي في الولاء الأعمى بتلك المناطق التي تحولت 180 درجة موالية للعهد الجديد.. وقد أحدثت الإنقاذ الاختراقات التي خططت لها بالرغم من ثبات أخلاقي قوي على المبادئ السياسية كان السمة المميزة لتعامل السلطان عبدالرحمن بحرالدين آخر سلاطين عيار الذهب في عرش السلطنة العريقة.
وفي لحظة مخاض تلك التحولات العميقة كانت مشاحنات سالبة تحدث بين مكونات مجتمع دار مساليت الذي انقسم فجأة الى عرب ومساليت في معارك قبلية طاحنة استمرت لأكثر من ست سنوات كلفت المنطقة أنهارا من الدموع والدم وقضت على الأخضر واليابس مخلفة ضحايا بعدد حبات الحصي من النازحين واللاجئين ناهيك عن المشردين وأجيال الفاقد التربوي الذين أصبحوا رصيداً داعماً للتمرد في دارفور. … وكأني اتيقن الإفادة ان حريق دارفور وأزمة الإقليم قد خرجت بذرتها من رحم سوء تقديرات التعامل مع طبيعة الأوضاع وخصائص تلك الرقعة الجغرافية المخصبة بسماد تاريخ الممالك والسلطنات المهجن بدماء عروبة الهجرات الوافدة عبر منافذ مصر وتونس وليبيا وتشاد.. ومعلوم بالضرورة أن عناصر هذا التفاعل الكيميائي هي التي رسمت لوحة الواقع الدارفوري المعاش،، واية مكابرة في فهم الواقع خلافاً لذلك معناه الدخول الى دارفور عبر بوابة الخروج. فهنالك خطأ إداري مكرر ينجم بسبب عدم القابلية على تفهم الحكومة لحقيقة أن مجتمع دارفور لا ولن يحكم بعقلية الأفندي التي تنظر إلى خارطة طريق السلطة والسلامة في دارفور «أياً كانت» بمنظور التقارير الورقية الباردة. .. وللأسف ظل جل من حكم دارفور يسقط ويتملحق«من امتحان الملاحق» ويفصل نهائياً بسبب السقوط في امتحان البيت المفتوح وعطايا الواجهات المجتمعية الرفيعة من ملوك وسلاطين ونظار… فعملية التقدير والاحترام المتبادل بين الراعي والرعية تزيل كثيراً من الرزاز عن مرايا المشهد والواقع الدارفوري لتبدو الصورة أكثر وضوحاً من خلال إزالة حواجز وأوهام السلطة بين القمة والقاعدة «مدرسة كبر والحاج عطا المنان»!!
ومن خلال تفكيك معادلة أحداث مدينة الجنينة الأخيرة والتي تقتضي الضرورة عدم الخوض فيها لاعتبارات مهنية، كون مؤشرات تقييمها ما زالت تحت رحمة لجان التحقيق الاتحادية منها والولائية والمحلية، وكل الحشد والزخم الأمني والقانوني في ماراثون البحث عن الحقيقة الغائبة، مطالب بالتنقيب عميقاً في جذور شجرة المشكلة دون الالتفات إلى لسعات من دبابير قد تكون عالقة بين أغصان الشجرة…
ومن خلال متابعتي للشأن الدارفوري البعيد والقريب أكاد أجزم ان هناك أسبابا وراء الأكمة مازالت تحت السطح بعيدة عن التقييم ، هي التي أدت إلى الاحتقان ثم الانفجار الذي تم في غرب دارفور.. وبسرعة البرق تحاول بعض العقول البسيطة الالتفاف على الحدث بسطحية من خلال نشر صور للوالي وهو يتجول في اليوم التالي للحريق أمام أكوام البصل والخضار، فالمسألة ليست مغالطات حول عدم قدرة خليل على الخروج والمشي بين الناس في عاصمة ولايته بقدر ما هي رسالة قوية الى السلطات صاحبة القرار في المركز والإقليم بأهمية نبش قبر الضحية وإعادة التشريح لمزيد من الدقة في التشخيص لتوفير البيانات والأدلة التي تعين القاضي في إصدار حكم عادل غير قابل للنقض يلتف الناس حوله برضاء تام متضامنين في عملية البناء والتنمية تحت ظل سلام مستدام تحرسه هيبة الدولة وعدالة القانون فوق الجميع في وطن واحد لا تفاضل فيه بين أهله إلا بالعطاء. وبعدها يمكن تفويج وسائل الإعلام والميديا لتصوير فرحة العباد بمدى التغيير والنقلة التي تمت بسبب تدخل السلطة لاستعدال الصورة والانتصار لمبدأ القانون فوق الجميع!! وأنا على قناعة ان هذه هي الغاية المنشودة من وراء تدخلات المركز عبر لجنة تحقيق رفيعة المستوى مفوضة للبحث بعناية عن تفاصيل مشهد ماذا وراء الأكمة؟؟
ملتقى نيالا… حصة عملية في كيف نبني الوطن!!
لا يختلف طفلان«ناهيك عن الكبار» في بديهية أن حي الوادي هو مركز الإشعاع في مدينة نيالا، تلك المدينة التي تقول الروايات التاريخية الراجحة انها من مقتنيات مملكة الداجو العريقة وتأسست سنة 1936، ومعلوم بالضرورة كذلك أن البرندو الذين سكنوا حي الوادي هم امتداد لمملكة البرنو الإسلامية، وهكذا من خلال هجرات وتداخلات وتفاعلات تتكون المدن وتنشر الجماعات السكانية، فحي الوادي سبقت الآخرين اليه وسكنته قبيلة مستقرة بخلفية التجارة والزراعة، وفي مناخ الاستقرار تنمو شجرة التعليم والتعلم، وهما متلازمتان أساسيتان في التربية وترقية السلوكيات الإنسانية، ومن رحم هذا المناخ أنجبت منطقة حي الوادي لدارفور نخبة من العلماء والقادة والمفكرين ورجال المال وقادة العمل العام والخاص.. شكلوا مجتمعين لوحة إنسانية بألوان قوس قزح، وبالتالي ليست هناك غرابة في أن يبادر الاخ/ أسامة عطا المنان البصري بصفته واحداً من أبناء نيالا في التخطيط لتنفيذ مشروع نهضة نيالا عبر آلية سماها ملتقى ألفية نيالا، الذي يرأسه الفريق شرطة /صديق إسماعيل النور «تنقو»،، ومن حسن الطالع أن استعانت جماعة الملتقى بكوكبة إعلامية نشطة وواسعة الانتشار تقودها روح الشباب التي تبدت في الخلوق عز الدين دهب، يلازمه النشط علي منصور، وكلاهما محل إجماع وتقدير وسط قبيلة أهل القلم والصوت والورق، ولذلك اتسمت عمليات التحضير والدعوة والتوثيق بالشمول والحرص والمهنية..
وحقيقة بهرني كما آخرين الأخ أسامة صاحب فكرة ملتقى ألفية نيالا، وبكل شجاعة اقتحم ابن حي الوادي كهف الفكرة فخرج إلينا بمبادرة الألفية التي تقوم على وضع خطة شاملة لتنمية وبناء نيالا العصرية ترسم ملامحها بريشة بنات أفكار عصف ذهني لألف (1000) من أبناء نيالا الذين هم أهل السودان الكبير بكل مكوناته الإثنية…
ولأن أسامة عطا المنان رياضي بعقلية «جلابي» يسبح بزعانف السياسة عرف كيف يستثمر في مشاعر السودانيين الذين يحبون نيالا البحير، ولأجل ذلك خصص ميزانية طموحة «تقول التقديرات الأولية انها مليار ج» لتفويج الوفود التي جعل كل خدمات فندق كورال نيالا تحت تصرفها طوال مدة فعاليات الملتقى التي خاطبها السيد/ حسبو عبدالرحمن بصفته الرسمية كنائب لرئيس الدولة، ورغم ذلك أصرت الجغرافيا أن تعبر عن نفسها من خلال عبارات وجمل ناصحة تفضل بها راجياً الحضور بتوظيف الملتقى لتنمية كل الولاية ليعم خير نيالا كحاضرة كل المواطنين بولاية جنوب دارفور..
ومن خلال حزمة من التوصيات التي خرج بها الملتقى تظل الولاية موعودة بنهضة شاملة في كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإن كنت غير مطمئن بما يكفي لمصادر التمويل اللازم لتوصيات ترهلت بشكل هلامي، وهي عادة سالبة ظلت ملازمة لكل ملتقيات السودانيين الذين يفرطون «بضم الياء وكسر الراء» في التفاؤل ولكنهم يفرطون «بضم الياء وفتح الراء» في الالتزام بضوابط التنفيذ، وهنا تكمن علة العقلية السودانية في المتابعة و التقييم…. ولأن الأعمال بالنيات فأسامة عطا المنان البصري قد سبق الآخرين في البر بوالديه السودان ودارفور، وبهذا العمل الطوعي يكون قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه بالتوقيع على دفتر الحضور كأول دارفوري منذ الاستقلال ينبري لعمل كبير بهذا الشكل والحجم ويموله في صمت نبيل من موارد الخاصه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده»… شكراً أسامة والتاريخ سجل الزمن!!

الحسين إسماعيل أبو جنة
الانتباهة