الطيب مصطفى

حيّوا معي إبراهيم الشيخ !


كلمة حق يجب أن تُقال، فوالله ما كنتُ أحسب أن الأستاذ إبراهيم الشيخ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني سيفعلها ويترجّل من رئاسة حزب هو الذي أنشأه وهو الذي ظل يموله من حر ماله ويصرف على نشاطه بلا منٍّ ولا أذى وقدم له وفي سبيله ما لم يقدّم أي من قادة الأحزاب الأخرى لأحزابهم وتنظيماتهم السياسية.
لطمة عنيفة بل حجر من نار قذفه الرجل في وجوه (المكنكشين) الذين أوهموا أتباعهم الذين ربّوهم على روح القطيع.. أوهموهم أنه لا بديل لهم غيرهم، لأن النساء عقِمن بعد مولدهم (المبارك)، فماذا بربكم تراهم يقولون الآن وقد ظلوا في رئاسة أحزابهم منذ نصف قرن من الزمان وظن بعضهم رغم تشدّقهم بشعارات الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة أن ذلك حق إلهي لا يجوز أن ينازعهم فيه منازع أو يزيحهم عنه غير الموت الزؤام!
عندما جادل بعضهم إبراهيم الشيخ في أحد “قروبات الواتساب” مذكّراً إياه برمزيته التاريخية في الحزب وبدوره المحوري وبكاريزميته وبتأثير غيابه على مستقبل الحزب قال لهم بصدق وتجرد ونكران ذات :
كل (المكنكشين) اعتمدوا على مثل هؤلاء الذين يراودونك على البقاء رئيساً إلى الأبد ويجدون لك من المبررات والأسباب ما يقنعك أنك القائد الملهم، وما عداك عدم… هنا تأتي إرادة المؤمن بالديمقراطية.
ثم هاجم من يضغطون على الزعماء لكنه شخّص المشكلة الحقيقية في أنها تكمن في (الفرعون الأكبر) الذي قال عنه إنه: يتكرر بقاؤه دورة بعد دورة وربما خرج عليك ذات القوم- الضاغطون من أجل إبقائك في موقع الرئيس – بأن تكون رئيساً مدى الحياة أو تورث الملك العضوض لآل بيتك وورثتك ممن يجري فيهم دمك وجيناتك العبقرية! ثم قال مخاطباً مدير القروب (عطاف).. غير وارد يا عطاف أن ننكص على أعقابنا ونخرق لوائحنا أو نعدل قوانيننا لنبقى على سدة الرئاسة لدورة أخرى… علينا أن نقدم النموذج في الممارسة الديمقراطية النظيفة التي ننشدها لبلادنا، ولو عجزنا أن نقدّمها من مواقع أحزابنا فلن نفلح في أي مكان آخر وسنجتر كل خيبات النخب الذين تعاقبوا على حكم البلاد وقيادة الأحزاب.
بهذه الكلمات الصادقات أستطيع أن أشهد أن إبراهيم الشيخ قدّم درساً جديدًا وبليغاً بل سابقة فريدة في الممارسة السياسية النظيفة التي تحتاجها بلادنا حتى تستقيم على جودي الممارسة الديمقراطية، وأعلنها الآن بملء في أنني سأترجل عن رئاسة منبر السلام العادل في أول مؤتمر عام أرجو أن ينعقد قريباً.
بالله عليكم تأملوا حال أحزابنا التي قاربت المائة وحركاتنا المسلحة التي
بلغ عدد من يشارك منها في الحوار الوطني الجاري الآن ما يقرب من الأربعين حركة، هذا بخلاف الرئيسية منها والتي تنتظر انعقاد اللقاء التحضيري في أديس أبابا.. ما هو الاختلاف في توجهاتها الذي يبرر تمزقها إلى عشرات غير التنازع على منصب الرئيس؟!
الجبهة الثورية تمزقت بفعل (كنكشة) الحركة الشعبية (لتحرير السودان) في منصب الرئيس ورفض زعيمها السابق (عقار) الانصياع للدستور وللخيار الديمقراطي، فكيف تراه يفعل إذا أتيح له منصب رئيس الجمهورية؟!
هل تذكرون انشقاق حركة تحرير السودان (جناحا مناوي وعبد الواحد محمد نور) وصراعهما حول منصب الرئيس الذي يصر كل منهما على أن يحتله إلى أن (يسلمه عيسى)؟! ولكن هل بربكم سيسلمون وغيرهم من الزعماء حتى لعيسى قبل أن تراق الدماء أنهاراً؟!
الأبشع هو قياداتنا السياسية الكبرى التي تجاوزت أعمارهم الثمانين وجلس كل منها أكثر من نصف قرن من الزمان عزّ خلاله أن تنجب أحزابهم من يخلف (عبقريتهم) الفذة ليتنازلوا له ديمقراطياً!
لذلك تأتي الطعنة النجلاء التي غرسها إبراهيم الشيخ في سويداء ضمير كل الزعماء حين قال لهم بلسان الفعل لا بلسان المقال: (علينا أن نقدم النموذج في الممارسة الديمقراطية)، ثم قال: (إذا عجزنا أن نقدمه من مواقع أحزابنا فلن نفلح في أي مكان آخر).
لقد كبرتَ في نظري أيها الرجل رغم ما بيننا من خلافات فكرية حول مستقبل هذه البلاد.