عالمية

الفساد في عالمنا: دفعت رشوة؛ افضحهم بصوتٍ عالٍ!


الفساد والتنمية لا يجتمعان

تُواجِه الحكومات في بلاد العالم الثالث تحديات ومشاكل كبيرة، وغالبًا ما يكون المواطنون العاديون هم أول من يدفع الثمن من حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم، ويعتبر ملف الفساد من بين أهم الملفات التي تُعَطل انطلاق أية محاولة للتنمية، وحتى إن سارت التنمية ببطء فسيمنع الفساد وصول ثمارها لمُستحقيها، ويمكن إلقاء نظرة على حجم المشكلة من خلال هذه الخريطة التفاعلية لخريطة العالم من على موقع منظمة الشفافية الدولية.

ويُصعّب غياب الديموقراطية من مُكافحة الفساد، ولاسيما في كثير من حكومات العالم الثالث، وخاصة عندما تصبح بعض الحكومات ومؤسساتها مشجعًا أو مشاركًا أو مبررًا لهذا الفساد، وهي المنوط بها البحث عن حلول جذرية لهدم قلاعه وتجفيف منابعه، بالإضافة إلى أنه في أحيانٍ كثيرة يُصبح الفساد أسلوب حياة، وقد يقف المواطن العادي ضد أي تغيير من دون أن يشعر، وخاصةً أنه لا يعرف وسيلةً أخرى غير الفساد للحصول على الخدمات التي يُريدها وحتى البسيط منها.

ولكن عندما تتوفر الإرادة السياسية من الحكومات، تتدفق الأفكار، ويجري ترجمة المناسب منها إلى برامج وخطط عمل لهذه المعركة التي لن يستسلم الفساد فيها بسهولة.

1- مؤشر الفساد في العالم لعام 2014 من على موقع منظمة الشفافية الدولية.

ودائمًا ما يستدعي إعلان الحرب على الفساد بعض المبادئ البراقة، وأولها الشفافية في التعاملات، فكلما ترسخت الشفافية اهتز عرش الفساد وتعثرت خطاه. وهناك المحاسبة المستمرة والتي تضع الفساد تحت ضغط مُتواصل يحد من حركته. بالإضافة إلى رصيد الموثوقية الذي جمعته مؤسسات الدولة ومتخذو القرار فيها، مما يساعدهم على حرية الحركة لمواجهة الفساد بدعم كامل من المواطنين. لكن هذه المبادئ لن تُجدي نفعًا ما لم تُترجم إلى خطط عمل واضحة ومناسبة، مع استخدام الأدوات المًلائمة، والاستفادة من كل التجارب لخوض هذه المعركة الصعبة.

السلطة للشعب

يدفع المواطن العادي النصيب الأعظم من ضريبة الفساد مباشرةً من خلال دفع الرشاوى للمكاتب الحكومية من أجل الحصول على حقوقه من الخدمات المُقدمة، أو حتى من أجل الالتفاف على القوانين التي فقدت احترامها منذ أن طبقتها الحكومات متى أرادت ولمن أرادت.

وقد يُسدد المواطن ضريبة الفساد بشكلٍ غير مباشر من خلال تبديد الحكومات لثروات أوطانهم وإدارتها لصالح فئة محدودة ومُميزة. ورغم أن المواطنين العاديين هم أكثر من تنالهم نيران الفساد، فدائمًا ما يتم استبعادهم جهلًا أو عمدًا من الأفكار التي تُطرح لمقاومة الفساد، كما لا يتم إشراكهم في وضع الخطط والبحث عن أنسب الأدوات لخوض هذه المعركة الصعبة.

إذًا فلماذا لا يتقدم المواطنوان لهذه المهمة الحيوية؟! وحتى إن أهملت الحكومات دورهم في برامجها لمكافحة الفساد، فلابد وأن يفرضوا دورهم، وخاصةً في ظل ما تُتيحه شبكات الاتصال الحديثة من أدوات جيدة لتنظيم الجهود وتوجيهها.

وفي الهند واحدة من بين هذه التجارب التي جعلت في إمكان كل مواطن أن يكون سيفًا مشهرًا في وجه الفساد، من خلال موقع على الإنترنت www.ipaidabribe.com (IPB) أي “دفعت رشوة”، وأسسته في عام 2011 مؤسسة غير ربحية في مدينة بنجالور الهندية.

وأتاح الموقع لكل مواطن اضُطر لدفع رشوة في أحد المكاتب الحكومية للحصول على إحدى الخدمات، تسجيل شكوى على الموقع، تتضمن بيانات الموظف الرسمي الذي تقاضى الرشوة والمبلغ الذي تقاضاه.

2- paidabribe.com

ويعتمد الموقع في عمله على قاعدتين أساسيتين؛ أولهما إخفاء اسم الموظف الذي تم تسجيله في الشكوى حتى لا يُستخدم الموقع للتشهير بالأبرياء، ولاجتناب البلاغات الكاذبة قدر الإمكان، والقاعدة الثانية أن الموقع ليس جهة لإصدار الأحكام، ولابد أن يتم هذا الأمر من خلال جهات التحقيق والقضاء.

ويهدف الموقع أساسًا إلى تضييق الخناق على من يُمارسون الفساد من خلال إشعارهم دائمًا أن هناك آلاف المواطنين يراقبونهم، ومن الممكن أن يفضحون ممارساتهم للعامة. وبحلول خريف 2015 جرى تسجيل حوالي 49 ألف شكوى على الموقع من أكثر من 645 مدينة في شتى أنحاء الهند، وعَقد الموقع شراكات مع منظمات أهلية في 25 دولة أخرى.

ولا يعني نجاح تجربة لمكافحة الفساد في مكانٍ ما نسخها بكافة تفاصيلها في مكانٍ آخر؛ فعلى سبيل المثال تكررت تجربة موقع الإنترنت الهندي لمكافحة الرشوة في الصين، لكنه لم يصل لمستويات النجاح المتوقعة.

ويعني ذلك ضرورة تعلم المسؤولين والمهتمين بمكافحة الفساد في كل بلد من التجارب التي سبقتهم، إلى جانب معرفتهم الجيدة بواقعهم المحلي، ليصنعوا تجربتهم المحلية ويُكتب لها النجاح. ومن أمثلة هذه التجارب استخدام الرسائل النصية القصيرة في إقليم البنجاب في باكستان للإبلاغ عن تقاضي موظف حكومي رشوة نظير إحدى الخدمات. وفي نيبال تخصص برنامج تليفزيوني في اكتشاف الموظف المثالي، على غرار برامج اكتشاف المواهب الغنائية الشهيرة التي يتابعها ملايين المشاهدين.

معركة طويلة

تحتاج المعركة مع الفساد لحشد كل الجهود، وإلى نفسٍ طويل وإبداع مُستمر، والبحث الدائم عن أفكار جديدة، وابتكار وسائل وأدوات لمحاربة الفساد، ومفاجأته بحيث لا يدري دومًا من أين ستأتيه الضربة التالية.

ومن خلال هذه المشاهد التي تَصَدّر المواطنون العاديون فيها أدوار البطولة في الحرب على الفساد، يتضح أن بمقدور المواطنين لعب دور بالغ الأهمية في مواجهة الفساد. ولكن ليبلغ هذا الدور فاعليته، لابد من دعم الحكومات لهذه المبادرات وإتاحتها حرية الحركة بشكل كامل.

كما ينبغي على كل مبادرة أن تصنع تجربتها المحلية الخاصة، وتضع أمامها أهدافًا واضحة، شريطة ألا تُسرف في التوقعات وألا تستعجل النتائج؛ فالمعركة مع الفساد ليست بالسهلة ولا بالقصيرة، وتحتاج للصبر والنفس الطويل حتى تُكلل بالنجاح.

هافنغتون بوست