منى ابوزيد

جديرون بالاحترام ..!


«إنَّه طَقس الحضَارة.. إنَّه العدلُ الذي يَكبُر في سَقف الجَرائم.. إنَّه الحَقُّ الذي لم يَخُن الحَقَّ.. وخانَته الحكومَاتُ وخَانتهُ المَحاكِم» .. الفيتوري ..!
(1)
«مارك شاغال» – أبرز رواد المدرسة الرمزية في الفن الحديث – له أسلوب متفرد وفهم خاص للمعنى الحقيقي للألوان، وهو من أصحاب الرسالات التي تجاوزت أطر التصنيفات الضيقة إلى رحابة الانتماء الإنساني الجليل.. اشتهر تكنيك «شاغال» بتلك المخلوقات الغريبة الطائرة التي تطفو على أسطح لوحاته الملونة.. في هذه الدنيا – أيضاً – لا وجود للإنسان خارج بعض الأطر، لكننا قد ننفصل أحياناً عن بعض المواقف في لوحات الحياة فنرقب عن كثب وبعد – في آنٍ معاً – بعض الثوابت والمتغيرات في تفاصيل عالمنا، على طريقة «شاغال».. فلا ننساق وراء مآزق التطبيع مع الإحباط والهزائم ولا نقع في أفخاخ التعميم عند النطق بالحكم على سلوك الآخرين .. فننعم – حينئذ – بالنصف الممتلئ دوماً من كوب الحياة.. إليكم بعض المواقف التي ظللت فيها طافية فوق سطح اللوحة بحياد تلك الكائنات الطائرة في لوحات «شاغال»، فبدت لي حضارة الإنسان وهي تتنزل بِرُقيٍّ على ساحات السلوك ..!
(2)
أصيبت أمي – قبل بضعة أيام – بوعكة صحية طارئة فهرعنا بها إلى أقرب مستشفى.. طلب الطبيب إجراء بعض الفحوصات والعودة بالنتائج.. حضرنا في اليوم التالي فأخبرنا القائمون على أمر العيادة بأن هنالك مشكلة في «السيستم».. الأمر الذي يستدعي الانتظار إلى ما شاء الله من تلك الليلة أو معاودة الحضور في أقرب سانحة.. ألححنا في السؤال فقالوا لنا إن الطبيب يُدوِّن الأعراض الخاصة بكل مريض وكذلك الفحوصات المطلوبة ونتائجها على جهاز الحاسوب المربوط تقنياً بذلك «السيستم»، حتى يتمكن من العودة إلى تلك التفاصيل لتشخيص الحالة ووصف الدواء المناسب.. جلسنا صامتين في معيَّة مرضى آخرين نتشارك الهمهمات و»الطنطنة».. كان معظمنا يفكر بالصورة النمطية التي باتت راسخة في معظم الأذهان عن صلف ولا مبالاة الأطباء في معظم المستشفيات!.. يومها لاحظت أن في ذلك القسم غرفتين متجاروتين لطبيبين استشاريين يمتهنان ذات التخصص.. اختار أحدهما أن يستخدم حقه في التذمر والامتناع بسبب أعطال «السيستم».. بينما اختار الآخر – الذي تصادف أنه الطبيب الذي قصدناه – أن «يؤنسن» نظرته إلى المشكلة، وأن ينحاز إلى آلام المرضى وقلق مرافقيهم، وأن يؤدي عمله رغم أنف «السيستم»، وبكل الصبر والهدوء اللازمين.. اللهم اجزِ الدكتور «عصام محمد الحاج» – استشاري الطب الباطني بمستشفى رويال كير – عن أمي وعن جميع مرضاه كل الخير، وأكثر من أمثاله حتى لا يستوي الماء والحجر ..!
(3)
كنا قلقين من «جرجرة» الإجراءات لتخليص أوراق سيارة قادمة من خارج البلاد تخص والدي الذي لم يكن يملك – بطبيعة حال معظم المغتربين – ما يكفي من أوراق شيكات البنوك المحلية لتدوين ما يجب سداده من أقساط الجمارك قبيل سفره إلى ميناء بوتسودان.. لضيق الوقت كان علينا أن نقصد أكثر البنوك سرعة في الإنجاز وأكثر الفروع قرباً من حينا.. فقصدنا فرع «بنك النيل» بشارع الستين .. في مكتب مدير الفرع راقبت – بسرور – أسرع عملية فتح حساب رأيتها في السودان .. بعد أن عاتبنا على عدم الاتصال هاتفياً لتجهيز موقف السيارات الذي خصصه البنك للعملاء – بسبب أزمة مواقف السيارات في الشارع العام- ملأ السيد مدير الفرع الاستمارات الخاصة بطلبنا بنفسه، وهو يحدثنا – بذات الدقة والمهارة – عن خدمات فتح الحساب الجاري وامتيازات الودائع في «بنك النيل».. ثم خير والدي بين الحضور غداً لاستلام دفتر الشيكات وإرساله إليه في عقر داره مع أحد الموظفين للتفضل بالاستلام والتوقيع! .. اللهم بارك للأستاذ حاتم محمد محمد خير مدير فرع بنك النيل بشارع الستين، وبارك فيه، وأكثر من أمثاله حتى لا تضيق الواسعة ..!
(4)
الأستاذ صابر عبدالله بإدارة الاستثمار في جهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج.. المقدم عبد الوهاب والملازم أول علاء الدين بإدارة الجمارك.. شكراً لكم على رحمة الصغير وتوقير الكبي .. أثابكم الله على تلك النفحات الطيبة التي بددت بعض السواد الذي يكلل بيئة العمل العام في بلادنا.. وأكثر من أمثالكم حتى لا يتمدد اليأس على أرائك الإحباط ..!