تحقيقات وتقارير

استفتاء دارفور .. أسباب الرفض والقبول!


تقرير:
عبد الله عبد الرحيم

حركة دائبة تشهدها الساحة في ولايات دارفور، وردود أفعال مختلفة حول الاستفتاء الذي تعتزم الحكومة السودانية إجراءه في أبريل المقبل على وضع ولايات دارفور. ورغم أن ما جاء في الاتفاقية التي أقرت هذا الاستفتاء كاستحقاق إداري لإهل الاقليم، والإدلاء بآرائهم حول بقائه على حاله أو الاكتفاء بإقليم واحد، أثار الكثير من الجدل والمخاوف. وفيما أبدت الحكومة تمسكها بإجراء الاستفتاء كأحد استحقاقات اتفاقية الدوحة الموقعة مع حركة التحرير والعدالة، وكاستكمال للملف الذي تم قطع مسافة طويلة منه تجاه إكمال ما بقيت من بنوده، يرى البعض الآخر من مواطني ومثقفي الاقليم في الوقت نفسه أن الأمر ربما قاد إلى انفصال عن الدولة الأم كالذي حدث في مستحقات لعملية السلام مشابهة وأودت بانفصال جنوب السودان. وقد بات الاستفتاء تلفه غيمة كبيرة من التشكك عقب ردود الافعال المختلفة هنا وهناك.
ويرى مراقبون أن تقارب وتقلص الفترة الزمنية المقررة لاستفتاء دارفور في ابريل المقبل، فتح الباب واسعاً أمام التكهنات بشأن إجراء الاستفتاء او تأجيله، من خلال المغالطات الكثيرة التي بدت تدور حوله، بيد أن آخرون يرون أنه ربما أفرز الاستفتاء نتائج قد تزيد من حدة الاستقطاب الحالية والمتشددة في دارفور ومناطق نازحي الولاية وبؤر الصراع القبلي، قبل أن يعم السلام والاستقرار في الإقليم المضطرب منذ العام 2003م. وربما ما أعاد حفيظة الناس حول الأمر هو أن الكثيرون يرون أن الوضع الذي كانت عليه البلاد قبل فترة الحكومة الحالية أي قبل مجيء الإنقاذ والتقسيم الإداري الذي كان موجوداً كان أفضل بحسب متابعين. ولكن دستوريون ومسؤولون من أبناء دارفور كالفريق آدم حامد موسى رئيس مجلس الولايات السابق يرون إن الاستفتاء هو التزام سياسي لابد من الوفاء به، لكنه عاد وأشار إلى أن الوضع الأمثل هو بقاء الولايات الحالية لأنها تتيح المزيد من السلطات، واعتبر موسى العودة إلى الإقليم الواحد ردة عن أهداف الحكم اللامركزي مخالفاً آراء الكثير من القيادات الدارفورية وخاصة تلك التي حملت السلاح.
فيما يؤكد الأكاديمي والمحلل السياسي د.السر محمد لـ«الإنتباهة» أن عملية الحوار الوطني الذي تقوم الحكومة الآن برعايته، إنما هو المخرج الذي تبحث الحكومة عنه، وهي قد باتت في ورطة من أمرها وهي تقدم على هذا الاستفتاء مجبرة، ويرى السر أن السيناريو الجاري اليوم لرفع الحرج عن الحكومة هو أن تتبنى بعض الاتجاهات في دارفور أو الأحزاب السياسية مبادرة بإلغاء الاستفتاء حتى يتم رفع الحرج عن الحكومة. فيما أصبح سيناريو اختيار مواطني ولايات دارفور فكرة الإقليم الواحد بالمهدد والناسف لفكرة الحكم اللامركزي الذي يجري تطبيقه حالياً في كل ولايات السودان، والذي يتيح للولايات الاستقلال بمواردها. في وقت قال فيه نائب الرئيس حسبو محمد عبدالرحمن، في حديث نقلته قناة «اسكاي نيوز» عربية، إن العودة لتطبيق نظام الأقاليم بدلاً عن الولايات مستحيلة، مشيراً أن ذلك ربما يقود دارفور إلى المطالبة بالحكم الذاتي، الذي يقود إلى الانفصال. وأضاف نائب الرئيس «علينا الاستفادة من تجربة الجنوب، وعلينا ألا نعيد الانكفاءة.. إن فعلنا ذلك سنضعف الوحدة الوطنية وقد تتحول العودة للأقاليم إلى مناداة أو مطالبة بالحكم الذاتي». يشار إلى أن جنوب السودان تمتع، بعد توقيع اتفاقية السلام في 2005، بحكم ذاتي، أعقبه استفتاء قاد لانفصاله عن السودان في يوليو 2011م ويعيش الآلاف من سكان الإقليم بين اللجوء في دول الجوار، خاصة تشاد أو في معسكرات النزوح، التي تحولت إلى مدن بسبب بقاء النازحين فيها لأكثر من اثنتي عشرة سنة. ويرى البعض أن فرص اختيار الاستقلال والتحرر، واحدة من السيناريوهات الحقيقية ربما تراود مخيلة وأذهان البعض هنا وهناك حكومة ومواطنين، ولعل هذا الأمر هو الذي قاد الكثيرون إلى التوجس خوفاً وقلقاً من كلمة «استفتاء»، والتي يجري الحديث حولها هذه الايام بعد أن قاربت لحظة استحقاقها كمطلب وبند من بنود الاتفاقيات بشأن دارفور، وكان قد سبق ذلك قرار رئاسي رقم «4» لسنة 2011م بذات الخصوص حدد فيه الرئيس عمر البشير شهر أبريل المقبل لإجراء الاستفتاء بولايات دارفور. الرئيس البشير أكد في أكثر من مناسبة التزامه الكامل بالحوار وسيلةً، وبما يفضي إليه من نتائج وبرنامج لدعم التنمية الشاملة بالبلاد، الأمر الذي يتطابق مع رؤى من قال إن الحكومة الآن تبحث عن مخرج حقيقي من أزمة ولعنة الاستفتاءات، كالتي جرت في الجنوب والتي يراد لها أن تجري في دارفور.
ولعل الاختلاف بين استفتائي «الجنوب» و«دارفور»، هو ما يرتبط بخيار الناخبين بحسب ما أورده المحلل السياسي البروفيسور الطيب زين العابدين لـ «الإنتباهة»، ومن ثم النتائج المترتبة عليه، فالأول منح الناخبين حق اختيار الانفصال وتكوين دولتهم الخاصة، وهو ما حدث بعد استفتاء يناير 2011م بانفصال الجنوب وإعلانها دولة مستقلة. أما فيما يتصل باستفتاء دارفور فإن الخيارات فيه للناخبين تقتصر على حق الناخبين في اختيار النظام الإداري المناسب لهم في إطار الدولة الأم، ما يعني عدم إمكانية تجاوز الناخبين لهذا الإطار لشكل أعلى أو مختلف كمناقشة الدخول في علاقة كونفدرالية أو الاستقلال من الدولة الأم، إلا بعد الاتفاق القانوني عليها مع الحكومة المركزية وهذا ما يخيف البعض والحكومة من مغبة اللجوء إليه.
ونقلاً عن رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، رئيس حركة التحرير والعدالة د. التجاني سيسي قال لـ«الإنتباهة» إن الاستفتاء المقرر إجراؤه بدارفور في الفترة المقبلة، سيكون حول الإبقاء على الولايات الخمس كما هي أو ضمها في إقليم واحد، بحسب توجيهات واتفاق مسبق التأم بين السلطة والنائب الأول بكري حسن صالح، وأضاف سيسي إن البنود العالقة في وثيقة الدوحة من بينها الاستفتاء حول دارفور وإدراج وثيقة الدوحة لسلام دارفور في الدستور، مشيراً الى أن الحكومة أكدت التزامها بتوفير ما يليها تجاه تمويل مشروعات التنمية والإعمار بولايات دارفور، والتزام الحكومة بدفع مبلغ «900» مليون جنيه عبر خطاب الضمان الذي وفره بنك أم درمان الوطني بمبلغ «450» مليون جنيه، بجانب الموافقة المبدئية من بنك فيصل الإسلامي بتوفير خطاب ضمان آخر بمبلغ «450» مليون جنيه، أما في ما يتصل باستفتاء دارفور فإن الخيارات فيه للناخبين تقتصر على حق الناخبين في اختيار النظام الإداري المناسب لهم في إطار دارفور ولعل إحدى نقاط الخلاف بين استفتائي الجنوب ودارفور تتمثل في الجهة المشرفة عليه والمنظمة له، ففي استفتاء الجنوب تم تكوين مفوضية خاصة رغم نص قانون الانتخابات القومية على أن الإشراف على الاستفتاءات من اختصاصات المفوضية القومية للانتخابات. ولعل مرد هذا الأمر ناتج عن اتفاق طرفي نيفاشا في اتفاقهما على تشكيل مفوضية مستقلة للإشراف على استفتاء جنوب السودان، حيث تم تضمين ذلك النص ضمن نصوص الدستور الانتقالي. وبالنسبة لتنظيم الاستفتاء الخاص بدارفور نجد أن المادة «58» من اتفاقية أبوجا نصت على تنظيمه من قبل المفوضية القومية للانتخابات، إلا أن اتفاقية الدوحة نصت في المادة «76» منها على تشكيل تلك المفوضية بالتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس السلطة الانتقالية لدارفور.

الانتباهة