رأي ومقالات

اندماج الإخوان المسلمين .. أشواق الوحدة


تظل حركة الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية في القرن العشرين في العالم الإسلامي مثار جدل أينما كانت، وحيثما حلت الحركة التي نشأت في مصر حملت رياح الاتصال بين الشعوب بذور ثمرتها إلى كل مكان في الدنيا يرفع راية التوحيد والإقرار. فالسودان كان الأول في رجع الصدى، حيث قامت حركة للإخوان المسلمين وتطورت في اتجاه جبهوي إسلامي حاول حمل أكبر قدر من فصائل الفكر الإسلامي المعاصر معه في القطار، وذلك في شكل مراحل عديدة آثرت الفقه المرحلي وسودنته وتسودن بحركتها حتى أن ذلك التطور أدى إلى خلل في مسير القطار، والآن تصبح حركة الإخوان المسلمين أجدر بنشر وثائقها بعد مرور ستين عاماً على تأسيس الحركة الأم، وأكثر من خمسين عاماً على تأسيس حركة الإخوان المسلمين السودانية، وهو أمر معروف في علوم التوثيق والتاريخ أيضاً، فإن التطور الذي حدث في الحركة أوصلها إلى سدة الحكم في حكومة الوفاق الحزبية وحكومة الإنقاذ الوطني.
المفاصلة الشهيرة
في ذات السياق يشير محمد أحمد كرار لـ «الإنتباهة»: الى الكتاب الذي ألفه الدكتور حسن مكي وهو أحد بواكير إنتاج الحركة في السبعينيات والثاني لأحد الشيوخ المؤسسين عن الانقسام الحاد الذي شهدته صفوف الإخوان المسلمين في الرابع من رمضان، وهي المفاصلة الشهيرة لجماعة الاخوان المسلمين في عام 1999م، وعزوف احد الفريقين عن المشاركة في اي موقع قيادي نظراً لتجربة الشراكة السابقة بينهما التي حكم عليها بالفشل وتفرد المؤتمر الوطني بالسلطة، المفاصلة وما صاحبها من انفعال وتوتر قسم جماعة الاخوان المسلمين الى «وطني القصر» و «الشعبي المنشية»، وظلت المواقف تتباعد عاماً تلو الآخر، وأصبح الشعبي الد الخصوم المعارضين للوطني طيلة الفترة الماضية، وفشلت كل المحاولات الداخلية والخارجية لرأب الصدع بشأن معالجة الوضع بينهما وتشخيص المشكلة وأسبابها والحلول لاندماج او وحدة جماعة الإخوان المسلمين، سيما انها تصنف نفسها بأنها إصلاحية شاملة، ومن منطلق الوحدة التي سعت لها اكثر من جهة، وينبغي عليها أن تتحد تحت حكم واحد في خلافة إسلامية تجمع «المؤتمرين» تحت راية واحدة خاصة في بعد فكرة الحوار الوطني الذي قرب الشقة بين فرقاء الأمس ورفقاء اليوم.
تحقيق الوحدة
دائماً ما تتواتر بوسائل الإعلام بين الفينة والاخرى انباء عن محاولات الوحدة بين الفرقاء، لكن يبدو ان الوقت لم يحن بعد لتحقيق تلك الامنية كاملة بل جزئية، وبم ستحقق في مقبل الأيام القادمة وقد تم السبت الماضي الإعلان عن الوحدة بين جماعة الإخوان المسلمين فى السودان «المركز العام والإصلاح» تحت قيادة واحدة بحضور وتشريف الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد المراقب العام السابق للجماعة، وقال السيد علي جاويش المراقب العام للإخوان المسلمين في منبر وكالة السودان للأنباء، إن وحدة الجماعة تساعد في وحدة المسلمين، وإن الهدف من توحيد صف جماعة الإخوان المسلمين هو السعي للإصلاح في السودان لتجديد أمر الدين في نفوس الناس وليس تغييره، مضيفاً أن السعى لتحقيق الوحدة في المحور السياسي من خلال البحث عن نقاط الالتقاء بين الكيانات والأحزاب في السودان بما فيها أحزاب الحكومة وأحزاب المعارضة بهدف تأمين وحدة البلاد والحفاظ على أمنها واستقرارها، ومنع الاحتراب وتقديم الرأي للحكومة والمعارضة تجاه نقاط تقصيرها، وأن جماعة الإخوان المسلمين تسعى من هذه الوحدة الى تقوية علاقات المجتمع السوداني من خلال توسيع قاعدة التمازج والتزاوج بين مختلف المكونات والمناطق لتجاوز القبلية. وإن التماسك الاجتماعي في السودان جنب البلاد شرور الانقلابات العسكرية والاختلافات، مؤكداً ــ أي المراقب العام ــ أن الاصلاح في السودان يرتكز على محور التعليم الذي يتطلب إصلاح مناهجه، داعياً الحكومة والأحزاب المعارضة الى العمل على اصلاح التعليم باعتباره الأهم في عملية الاصلاح، ودعا الى إصلاح الإعلام ورسالته باعتباره منهجاً مفتوحاً لمساعدة المجتمع السوداني في فهم ما يدور حوله. الى ذلك قال صديق علي البشير أمير جماعة الإخوان المسلمين الاصلاح، إن الوحدة والاندماج بين الإخوان المسلمين في السودان تحت قيادة واحدة والدخول في مرحلة انتقالية حتى قيام المؤتمر العام بعد اربعة او خمسة اشهر، ستبعث الأمل في النفوس لاستشراف المستقبل ومعالجة كثير من الأوضاع في البلاد.
الوسطية والاعتدال
يقول المحلل السياسي د. فتح الرحمن السيد لـ «الإنتباهة» إن الاخوان المسلمين في السودان ملتزمون بالوسطية والاعتدال، وقال إن توحيد الجماعة قام على اجراءات تنظيمية تتصل بتعميق الثقة بين العضوية بعد الاتفاق على المنهج ومواصلة مسيرة العمل في المؤسسية الحاكمة والشورى الملزمة، وذلك لضمان استمرارية الوحدة الوطنية بعد ان تم الاتفاق على المنهج وحرص الجماعة على البحث في القواسم المشتركة بين السودانيين لتجنيب البلاد الوقوع في الفتنة، وقد بارك الخطوة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد المراقب العام السابق للجماعة، ودعا إلى توحيد جماعة الإخوان المسلمين لحمل رسالة الاسلام في الدعوة والتسامح والعمل على التعاضد بين كافة مكونات المجتمع السوداني، والتزام الطريق القويم، وقد نشأت الحركة الإسلامية الحديثة استجابة تلقائية من الفطرة الدينية العرفية المتمكنة في وجه الاستفزاز الذي مثلته أنماط منكرة من مسالك ومقولات روجتها التوجهات الليبرالية والشيوعية في أوساط الطلاب وانعكاساتها السالبة، وكان العهد عهد مخاض لتيارات فكرية وتوجهات وطنية وتحيزات حزبية في السودان، فلا غرو أن تداعت إلى الدين عناصر كانت في غمرةٍ وغفلة جانحة لليسارية أو الوطنية اللبرالية، وشكلت نواة الحركة الإسلامية الأُولى «حركة التحرير الإسلامي» وفي اسمها إشارة لخلفيتها، ولم تكن تلك الظاهرة منعزلة عن الاستجابة الإسلامية العالمية للتحدي الحضاري الغربي، بل كانت إلى جانب كونها استمداداً من التدين العرفي وارتداداً على التيارات اللادينية بالسودان، وصدى للصحوة الإسلامية العالمية والتطورات التاريخية التي ولدتها، مشيراً ــ أي السيد ــ الى والتوجهات الفكرية التي غذتها «الربيع العربي»، ولذلك نشأت الحركة مقبلة على الأدب الحركي الإسلامي الوارد من مصر وباكستان وغيرها، ومعتبرة نفسها جزءاً من الحركة الإسلامية العالمية، بل اتخذت اسم الإخوان المسلمين من بعد، وما انفكت تتطور في صيغتها مؤصلة على دين الإسلام وتراث المسلمين، موصلة بحاضر الصحوة الإسلامية وبيئة الواقع الذي يليها في السودان.
ضغط سياسي
إشارة الى ما سبق يبدو أن الانغلاق فَرغ الجماعة لنفسها، فثار فيها حوار منهجي منظم لأول مرة طرح عدداً من القضايا، فمنها ما كان يتعلق بالقيادة من جراء مواقف انفردت بها قيادة الإخوان التي كانت قائمة، ودعت الجماعة إلى أن تتجه نحو القيادة الجماعية والوحدة واشواقها، وطرحت مَاهِية الحركة وهيئة للضغط السياسي أو حزباً يطلب السلطات، وطُرِحت قضية العلاقة بالسياسة وبالقوى السياسة، وانتهت هذه القضايا المختلفة إلى مراجعات دستورية فُصِلَت فيها القضايا المختلفة، وفي آخر هذا العهد بدأ التخطيط لتوجه جَبهَوى إِسلامي في سياق التصدي الأجرأَ، وعدم جدوى معارضة النظام. ولعل قدسية القيادات كان عامل ثقة كبيراً ودافعاً لحركة الإخوان إلى إنهاء صلتهم بالجبهة المعارضة.

الانتباهة