ضياء الدين بلال

(هلال) يفقد أهليته!


-1-
الخبرُ الذي صاغه محرِّرُ (السوداني) النَّابهُ بالبرلمان، عبد الباسط إدريس، من حديث وزير البيئة عن تلوث مياه الشرب في الخرطوم بمياه الصرف الصحي؛ لم يكن ضمن الخطوط الرئيسة بالصحيفة في ذلك اليوم.
تقديرات إبراز الأخبار تختلف من صحيفة لأخرى. في عدد السبت كتبتُ في هذه المساحة، عن التَّناقض بين تصريحات وزير البيئة وهيئة مياه الخرطوم.
قلت:
ما يُثير الهلع ليس تلوث المياه وحده، ولكن تضارب المعلومات وتناقضها، وصدورها من جهات حكومية كان حريَّاً بها أن تُعبِّر عن رأي إن لم يكن مُتطابقاً فعلى الأقل أن يكون مُتقارباً.
الآن، والوضع على هذه الحالة، من الضرورة إيجاد جهة ثالثة مُستقلَّة عن الطرفين، تُحدِّدُ صلاحية المياه، أو تقطع بنسبة ونوعية التلوث وتحديد أماكنه، حتى نشرب ونحن على بيِّنة أو نعطش بقناعة!
-2-
وزير البيئة، حسن عبد القادر هلال، اشتكى الصحف التي نشرت الخبر للجنة الشكاوى بمجلس الصحافة والمطبوعات، مُدَّعياً أنها قامت بتحريف حديثه!
في إحدى صحف الأمس، أصدر هلال تصريحاً يستدرك فيه ما قال أمام البرلمان، وفي حضور الصحفيين وأجهزة الإعلام، قائلاً إنه أعرب عن خشيته من تلوث مياه الشرب بالصرف الصحي، ولم يقطع بتلوثها!
ما قاله عبد القادر هلال، يضع ست صحف أمام تهمة التحريف والتلفيق، بحثاً عن الإثارة وزيادة المبيعات، ويُظهر الوزير في المشهد كضحية لعبث الصحفيين واستهتارهم في التعامل مع المواضيع ذات الحساسية!
ست صحف أمام إفادات علنية، في مكان مفتوح، من الصعوبة تصديق وقوعها في خطأ واحد مشترك، ومن الاستحالة كذلك – حسب قواعد علم الحديث – تواطؤها على الكذب والتحريف!
-3-
ولأن الوزير حسن هلال جديد عهد بالتعامل مع أجهزة الإعلام، لم يكن يدرك أن للصحفيين أسلحتهم للدفاع عن مصداقيتهم، يُخرجونها في الوقت المُناسب.
فوجئت لجنة الشكاوى بمجلس الصحافة أمس، وهي تستمع بمُكبِّرات الصوت داخل الاجتماع، لحديث الوزير حسن عبد القادر هلال في البرلمان، وهو يتحدَّث عن تلوث مياه الشرب الجوفية والسطحية بمياه الصرف الصحي!
الغريب في الأمر، أن الصحف أوردت حديث هلال بصورة مُخفَّفة، فهو لم يُعرب عن خشيته ولا قلقه؛ ولكن تحدث حديثاً مُثيراً للرعب، وغير دقيق، قائلاً في النص الصوتي ما يلي:
(دون صرف صحي لن نحارب التلوث، وإذا تحدثتم عن الأمراض فكلها مائية يجلبها الماء قبل الهواء، ولذلك أين تذهب المياه؟ أم درمان الكبرى ليس فيها مشروع صرف صحي، والخرطوم بها (10)% وبحري بها (7)%، أين تذهب مياه الصرف الصحي؟ تذهب إلى باطن الأرض، وإلى المياه الجوفية والمياه السطحية ويشربها الناس)!
-4-
كان بإمكان الوزير هلال – طالما قرَّرَ التراجع عن إفادته – أن يتصل بالصحف لتوضيح ما يريد قوله، أو أن يصبح شجاعاً فيعتذر عن ما قال!
الوزير اختار أسوأ الطرق، وهي الهروب من أقواله عبر حائط الصحافة القصير، ولم يكن يعلم أنه سيُضبط مُتلبِّساً بما قال عبر تسجيل صوتي لا يأتيه التحريف لا من تحته ولا من فوقه!
-أخيراً-
الآن انتفت تهمة التحريف في حقِّ الصحف، وثبتت تهمة الكذب على سعادة الوزير.
هلال شكانا لمجلس الصحافة، ونحن نشتكيه للرئيس عمر البشير وللحزب الاتحادي الديمقراطي تحت ادعاء مزدوج، إثارة الهلع والكذب الضار، فبثبوت التُّهمتين يفقد (هلال) أهلية بقائه في المنصب!