الطيب مصطفى

متى نفيق من سكرتنا؟!(2-2)


إذا كنا قد أوردنا في مقال الأمس زفرة والي النيل الأبيض عبدالحميد موسى كاشا التي عبر فيها عن غضبه من احتلال بعض أراضي ولايته ورفع علم دولة جنوب السودان عليها وكذلك طرد أسر الرعاة الشماليين الذين فرّوا من الجنوب إلى ولايته وأقاموا في محلية الجبلين سيما وأنه يستقبل من حين لآخر أفواجاً من اللاجئين الجنوبيين الذين يرهقون كاهل الولاية المتضورة جوعاً إلى كثير من الخدمات، فإن مما يفقع المرارة ويفري الكبد أن يطالب وزير خارجية الجنوب برنابا بنيامين بتنفيذ ما سماه باتفاقية الحريات الأربع التي تمنح مواطني البلدين حقوق مواطني الدولة الأخرى بل أن الرجل يطالب بفتح الحدود على مصراعيها بين البلدين!
لا أظن هذا الوزير يجهل ما يتعرض له مواطنو السودان في الجنوب وليته شهد ذلك اللقاء الجماهيري الذي أقيم لاستقبال (650) أسرة سودانية طردت من الجنوب الذي كانت قد اتخذته مرعى لأغنامها والذي خاطبه الوالي كاشا وأرغى فيه وأزبد متحدثاً عمّا تعرضت له تلك الأسر وعن احتلال الجنوب لأراض سودانية بل ورفع علم دولة جنوب السودان في اراضٍ سودانية!
إذن فأن الوزير الجنوبي يريدها علاقة عرجاء وحب من طرف واحد يغدق فيه أحد الطرفين العطاء على الآخر بالمجان بل إن ذلك الطرف المتلقي يقابل معروف الآخر بالإساءة والمكر والطعن في سويداء القلب!
إنها ذات العلاقة الشائهة التي قامت بين طرفين غير متكافئين منذ أن زرع الاستعمار البريطاني شوكة الجنوب في خاصرة الشمال لتظل تدمي وتفرز قيحا وأوجاعا إلى الأبد.
لذلك لا غرو أن يطالب وزير خارجية الجنوب باستمرار العطاء المجاني حتى بعد أن اختار الجنوب الانفصال (وفرز عيشته من الشمال) بإجماع لم يتأت لأي انفصال آخر في التاريخ.
والله لولا أن الجنوب تحمل بعض مكوناته السياسية مشروعاً احتلالياً عنصرياً للسودان ولولا أن دولة الجنوب يساندها عملاء شماليون لا يزالون يحملون اسم الحزب الحاكم في دولة الجنوب بل يعتبرون أنفسهم قطعة أو قطاعاً أو جزءاً لا يتجزأ من ذلك الحزب الجنوبي لربما هان الأمر ولما اعتبرنا مطالب الوزير الجنوبي من مهددات الأمن القومي للسودان ولكن!
اقرؤوا بربكم بيانات الرويبضة عرمان فستجدونها تتحدث عن العلاقة الخاصة بين الشمال والجنوب وعن حتمية عودة الوحدة التي رفضها أهل الجنوب بالإجماع!
تخيلوا أن ذات الوزير الذي يطالب بفتح الحدود وإنفاذ الحريات الأربع التي يعلم أنه ستطبق من طرف واحد عندما سئل عن إمكانية الوحدة بين الدولتين أعلن – لا فض فوه – للصحف السودانية ومن داخل الخرطوم أنها غير ممكنة مستبعداً أية إمكانية لعودتها مجدداً !
هذا يعني (بس خلونا نشارككم أرضكم ومواطنتكم والعمل في بلادكم والتنقل كما نشاء بين مدنكم وقراكم أما الوحدة معكم فلا وألف لا وأما مواطنوكم الشماليون فإنهم غير مسموح لهم بالإقامة في الجنوب وعلى من يرغب أن يفعل ذلك على مسؤوليته الشخصية !
ذات المشاعر القديمة المتجددة التي بدأت بكراهية (المندكورو) الشمالي منذ ما قبل الاستقلال وخروج الإنجليز حين انفجر التمرد في توريت وعدد كبير من المراكز والمدن الجنوبية .. إنها ذات المشاعر لم تتغيّر ولم تتبدل حتى بعد أن علموا أن العداء للشمال هو الذي كان يوحد قبائلهم المتنافرة وأن الشمال واحة من الرحمة كانوا يفرون إليها من قديم ويلوذون بها الآن بالملايين بعد أن انفجر الصراع بين قبائلهم المتناحرة لدرجة أكل لحوم الموتى من قبائل بعضهم بعضا!
إننا نسعى والله العظيم لاستعدال تلك العلاقة حتى تكون متكافئة قائمة على مبدأ المعاملة بالمثل ولا نمانع البتة من تبادل المنافع والتجارة بين الدولتين لمصلحة مواطنيهما واقتصادهما أما (الدروشة) القديمة التي كنا نتعامل بها في ظل العلاقة العرجاء القديمة فإنها هي التي طمّعت كل من هب ودب في أرضنا وثرواتنا وجعلتهم يتآمرون علينا ويكيدون لنا ويزرعون القنابل الموقوتة والخلايا النائمة داخل مدننا وقرانا في انتظار لحظة الصفر فهلا أفقنا قبل فوات الأوان؟!