حيدر المكاشفي

عرضحال طه وعريضة العرضحالجي


في الطرفة القديمة التي أضحت مثلاً ومثالاً أن مواطناً بسيطاً استعان بأحد كتَبَة العرضحالات ليحرر له مظلمته التي يود رفعها للقاضي، انكبّ العرضحالجي بخبرة السنين في كتابة العريضة، بعد أن فرغ من تدبيج المظلمة طلب منه الشاكي أن يقرأها عليه حتى يطمئن على إيراده كافة التفاصيل، ولم يكد العرضحالجي الفنان يكمل القراءة حتى انخرط الرجل في بكاءٍ مرير له نحيب.. استغرب العرضحالجي من بكاء الرجل، فسأله ما يبكيك، قال الرجل: (والله ما كنت قايل نفسي مظلوم الظلم ده كله)… مثل هذا الذي فعله العرضحالجي مع المواطن البسيط فعله بي بالأمس الشيخ علي عثمان محمد طه في حواره مع الغراء “آخر لحظة”، فحين طالعت إجابة شيخ علي رداً على سؤال محاوره عن كيف قضى العامين الماضيين بعد تنحيه، أوشكت أن أجهش بالبكاء على حالنا الذي تكشف للنائب الأول للرئيس السابق والنائب (ساكت) بلا أول الأسبق، شيخ علي لخص حاله بعد مغادرته المنصب الرسمي في عبارة جامعة مانعة مؤداها أنه اكتشف حقائق جديدة عن معاش الناس لم يقف عليها أو يكتشفها وهو في المنصب، وأنه رأى أثر السياسات والإجراءات التي يتحدث عنها الناس وواقعها في حياتهم سواء كان في معاشهم أو الأداء الإداري لدواوين الدولة. ولا تعليق لنا على عبارة طه الجامعة المانعة سوى بعبارة أخرى جامعة مانعة مؤداها اذا كان هذا هو حال من قضى أكثر من ربع قرن في المناصب الرسمية الرفيعة، فكيف والحال هذا حال غمار الناس وسوادهم، المؤكد أنه أكثر سواداً وأشد قسوة.
قبل عدة سنوات وكان وقتها شيخ علي نائب (ساكت) وليس أول للرئيس، أذكر أنه كان قد شدّد على ضرورة حماية قوت الشعب من المتلاعبين به ممن يسعون للثراء الحرام باكتناز أقوات الناس وتخزينها والمضاربة فيها، وأردف هذا التشدد بتوجيه للأجهزة الأمنية بعدم التسامح مع هؤلاء المتلاعبين بمعاش المواطنين، وإن استدعى الأمر قطع تلك الأيادي المتلاعبة، ومن الجميل أن السيد النائب لم يأمر وقتها الآخرين بالبر وينسى نفسه فزاد بالقول إن الحكومة الرشيدة التي تستحق البقاء هي الحكومة التي توفر للمواطن دواءه وغذاءه وكساءه وكرامته، وكان ذلك قولاً حسناً منه، ولكن اذا بهذا القول الذي بدا حسناً ومنسقاً حينها يبدو الآن بعد اكتشافه الأخير أنه كان مجرد كلام سياسة وطق حنك لم يجد حظه من التنفيذ، كان ذلك حين كان شيخ علي في سدة الحكم بل في أعلى مقاماته، ثم ها هو بعد كر السنين يكرر تقريباً ذات القول من مقاعد المتفرجين، فهل تراه على قناعته السابقة أن الحكومة الرشيدة التي تستحق البقاء هي الحكومة التي توفر للمواطن دواءه وغذاءه وكساءه وكرامته؟.


تعليق واحد