حوارات ولقاءات

مشاهد درامية حقيقية مترعة بالحياة


إنقطاعي بالمنزل هذه الابام فتح عيناي علي مشاهد الحراك الدرامي المترع بالحياة ؛ بائع الخضار الذي يقف علي حافة الطريق ؛ رفقة حمار منهك الملامح ؛ ضئيل اظن ان لونه كان اسودا لكن الاثقال التي يحملها من بصل وبامية وحبيبات طماطم واشكالا اخري علي تلة خشبية يجرها باطارين اظنهما قد تحجرا فاضافا ثقلا تكامل لسحب لون شعره الاسود الذي تحول الي غباش ؛ كان الكارو يقف ليدير صاحبه عليه مقاصة للبيع والشراء تمارس فيها النسوة مهارات التفاوض الفسل ! تنكب جموعهن علي المعروض فينبشن المحتوي نبش حريص ؛ فهذه طماطم قديمة وتلك ملوخية (بايتة) واما البامية فكانت تخضع لفحص يدوي صارم اجراءات الفرز ؛ كان عبد الله (البائع) يصبر علي أذي الملاججة مكتفيا بالابتسام ؛ يمسك دفترا ممزق الاطراف جعل فيه لكل واحدة صفحة لاغراض التقييد بالجرورة لمن لم تكن جنيهاتها حاضرة يسجل عادة بعد جدل يثور تحديدا مع (محاسن) التي يبدو ان ذاكرتها مثقوبة ؛ تحتج بانها نقدته سبعة عشر جنيها اول البارحة لم يقيدها تنبهه الي انها منحته عشرة جنيه (صماء) وخمس جنيهات فكة واثنين جنيه (حديد) ! نشأت بين البائع والحاضرات وشائج عقد اجتماعي يسألنه عن صغيرته التي تعاني علة بالقلب ؛ يرد بيقين ان (الحمد لله) ثم يسرد مكابدته بين ديوان الزكاة والقمسيون وانه ارجع الصغيرة وامها الي (الحلة) حيث صقع بانحاء ولاية الجزيرة ؛ تلوح في الافق اثناء الحديث (شادية) لا تنسي كعادتها ان تتأنق بيسر كأنها تمضي لتغشي معاينة وليست حاضرة لشراء بطاطس ؛ ترص ذهبها بحيث تراه الحاضرات اللائي ينخرطن في قطيعة مريرة كشفت عنها امالات افواههن ؛ تحضر وتصل لتبدأ في السلام بالعناق تلثم اعناق بعضهن ؛ تدلق طلسا من الاعتذارات لانها لم تعود فلانة او تجامل تلك ولا تنسي ان تذكر الحاضرات بانها كانت في مناسبة (سد مال) لاحد بنات اختها وتعدد مناقب وتفاصيل العريس واهله ! احسست لوهلة ان البائع صار عضوا في هذا التجمع النسوي ؛ تحول لجزء من اركان تلك التفاصيل المملة ؛ غير بعيد من هذا يجلس المهندس عوض ؛ معاشي معتق انتهي به السعي لتشييد منزل جميل لاسرته ؛ يجلس في مثل هذه الصباحات علي كرسي من ذاك النوع المنقرض المصنوع من البلاستيك ؛ يتقلد عادة ثلاثة من احفادة ممن يختبرون السير ؛ يحرص علي الباسهم اردية ثقيلة اتقاء البرد ؛ يضع صغيرة علي حجره ويترك اخرين بالقرب منه او خلفه يداعبون بعض الحصي ؛ يتابع عادة جدل عبد الله وزبائنه بغيظ ما لا تراه ولكن تحس ؛ يقطع ذلك تحايا يردها للعابرين حسب وده مع ملقي السلام فمرات يقف ويتبادل اطراف الحديث واحيانا يرد من باب اداء الواجب واحيانا لا يرد ! غير بعيد ايضا يقبع دكان (الحلبي) متجر صغير قد تجد فيه السعوط والبرنجي وكذا الكسرة والفول ومرات الباسطة ؛ يبيع كل شئ ؛ تحويل الرصيد وبعض احتياجات المدارس بما في ذلك الطباشير ! المكان بعد العاشرة وهذه من كرامات التجارة بحينا يتحول الي مطعم اشتراكي الملامح ؛ تجد عمال ورش صيانة السيارات وعمال البناء وتلاميذ المدارس وطلاب الدراسات العليا ! فالمكان قريب من كل الورش وبعض الجامعات وكثير من المدارس ؛ يحضر هؤلاء ؛ بخلطون الفول بالدكوة ؛ تتانثر اكياس صغيرة تحوي قطرات من زيت السمسم ؛ يصنع كل فريق وجبته كما يشاء ؛ يصنعون من (مزبرة) قريبة حوضا للشرب وغسل اليدين ؛ كوب واحد يخدم الجميع وقد ربط بحرص فلا اراه يوما قد فك اسره وكأنه حاز وشما من لحام لا يفك ؛ بعد الحادية عشر يعود المكان ليكون دكانا !

الخرطوم: محمد حامد جمعة


‫3 تعليقات

  1. أ. ود جمعة

    أسلوبك السلس ينقلنا على أجنح غيمة إلى الزمن الجميل الذي مضى وفات وما من أمل في عودته

    وتفاصيل ” اللمة ” قرب دكان الحلبي حيرتني ! هل تلك الصورة ما زالت موجودة في البلد ؟

    لأنني من الذين اختطتفهم الغربة قبل أن أبلغ العشرين ….أحمل البلد في كياني لكنني لا أعيش فيها ، لذلك حين أجد مثل تلك

    التفاصيل استغرق فيها حد الذوبان ، لإحساسي بفقد جذور ااقتلعت مني في يفاعها ، ولم أستطع زرع جذور لي في المنافي التي تنقلت فيها

  2. دايما استمتع بكتاباتك الله اوفقك واوفق الجميع واعين السودان من البلاوي الكتيره ، وتكون الصوره الرسمتها دي مليانه فرح.

  3. انا اجده متكلفا يحشر العبارات والكلمات الحداثية أو الدينية الرنانة حشرا في نصوصه مما يفقدها السلاسة ولكنه قادر على ايصال فكرته في احيان كثيرة مع انه يتعذر اكمال القراءة احيانا كالنص اعلاه
    تحس ان هناك طرفا ثالثا بينك وبينه يحاول ابهاره واقناعه
    هناك حلقة مفقودة
    ربما كانت كتابته هنا تكملة لجزء اخر في الفسبوك او سايبر اخر
    او ربما في العمل