تحقيقات وتقارير

أزمة رسوم العبور تحوم في سماء البلدين الخرطوم وجوبا.. عاصمتان بينهما النفط والنار


محمد الناير: يجب التركيز على التعويض عن انفصال الجنوب والذي يقدر بحوالي 3 مليارات دولار تدفع على ثلاث سنوات
الشيخ المك: أستبعد تنفيذ الجنوب لتهديده بقفل الحقول لأن اقتصاده يعتمد بصورة أساسية على النفط
حسن مكي: سياسة السودان تجاه الجنوب في حاجة لمراجعة لأن سعر جوال الذرة هناك بـ(1800) جنيه بينما سعره في الشمال (300) جنيه
بابكر محمد توم: يمكن أن نصدّر للجنوب (177) سلعة لذلك يجب عدم التفريط فيه لصالح دول أخرى
ينص اتفاق التعاون النفطي الموقع بين دولتي السودان في سبتمبر العام 2012 على تعويض السودان عن فقدانه للموارد النفطية بسبب انفصال الجنوب، وذلك بأن تدفع جوبا للخرطوم مبلغ 3 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات، بجانب دفع حكومة الجنوب رسوم عبور نفطها بنحو 20 دولاراً للبرميل الواحد.
وكان السودان اقترح تخصيص نسبة من الإنتاج كرسوم عبور بدلاً من تحديد رقم لرسوم عبور البرميل الواحد من النفط، لكن جنوب السودان رفض المقترح وقتذاك وأصر على تحديد رسم معين لكل عبور لبرميل نفطي وهو مبلغ 20 دولاراً.
ووفقاً للمحللين الاقتصاديين فإن جوبا تحاول العودة إلى مقترح السودان القاضي بتخصيص نسبة من الإنتاج بدلاً عن دفع رسوم العبور، استناداً على جملة من المتغيرات المتمثلة في تراجع إنتاج النفط منذ اندلاع القتال في الدولة الوليدة، إذ انخفض الإنتاج النفطى في جنوب السودان إلى الثلث منذ أواخر العام 2014 ليصل إلى معدل 160 ألف برميل يومياً، بعد ما وصلت معدلاته إلى 245 ألف برميل قبل اندلاع المعارك في العام 2013م، علاوة على ذلك انخفضت أسعار النفط عالمياً.
شد وجذب
حالياً؛ تجري مشاورات خلف الأبواب المغلقة بين الخرطوم وجوبا. الأخيرة ترى ضرورة خفض رسوم العبور البالغة 20 دولاراً عن كل برميل نفط بعدما انخفض سعر النفط عالمياً بحوالي 50%.
وخلال زيارة وزير النفط السوداني محمد زايد عوض لعاصمة الجنوب جوبا أخيراً، وضعت حكومة الجنوب قضية رسوم عبور النفط على طاولة اجتماع ضم وزيري النفط في البلدين، لكن الجانب السوداني أرجأ مناقشة الأمر لاجتماع آخر.
وقال وزير النفط في جنوب السودان ستيفن ديو في تصريحات أوردتها وسائل إعلام جنوبية آنذاك: (عندما تم توقيع اتفاقية التعويضات النفطية بين البلدين لم يتوقع أحد أن تهبط أسعار النفط عالمياً إلى ما دون 50 دولاراً للبرميل). وأضاف: (عندما ندفع تعرفة النفط، إضافة إلى المساعدات الممنوحة لدولة السودان فإن ما يتبقى لخزينة دولة جنوب السودان سيكون ضئيلاً جداً، وهذا وضع لابد من مراجعته ونبذل جهوداً في هذا الشأن مع الخرطوم).
بالتفصيل
تحصل حكومة جنوب السودان على حوالي 10 دولارات مقابل البرميل الواحد من النفط الخام مقارنة مع السعر العالمي للبرميل آنذاك والمقدر بأكثر من 50 دولاراً. وقد أوضحت مصادر أن هذا يعود لنوعية النفط والديون الحكومية من شركات النفط ورسوم خطوط الأنابيب وحصة المنتجين والرسوم الأخرى.
وتتقارب هذه الأرقام أيضاً مع التقديرات التي قدمها البنك الدولي في يناير والتي أشارت إلى أن جنوب السودان سيجني 9 دولارات لكل برميل إذا انخفضت أسعار النفط العالمية إلى 50 دولاراً مقابل البرميل. وحالياً يبلغ سعر مزيج برنت 57 دولاراً للبرميل بينما لم يكن المتوسط للشهرين الأولين من عام 2015 سوى 53 دولارا وفقاً لبيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
بين الإلزام والتعديل
اعتبر رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني، سالم الصافي حجير أن الاتفاقية التي تم توقيعها مع دولة الجنوب بخصوص رسوم العبور اتفاقية ملزمة خاصة وأنها تمت بعد شد وجذب ومحادثات بين الطرفين وأخذت وقتاً طويلاً للوصول إلى الرقم المحدد لدفع النقل لجهة أن السودان كان يطالب بـ 30 دولاراً للبرميل.
وقال إن الاتفاقية لم تتضمن أي بند في حال تراجع أسعار النفط عالمياً. وتابع : هل يمكن لحكومة السودان أن تطالب بزيادة الرسوم في حال ارتفاع اسعار النفط عالمياً. وأشار إلى أن الحكومة متضررة في حال تم التخفيض لجهة أن النفط الذي يعبر خلال أراضيها مرتبط بخدمات تنفق على الحراسة والعمال والكهرباء موضحاً أنه في حال موافقة الحكومة على التخفيض يكون من باب الفضل على خلفية علاقة حكومة السودان بدولة الجنوب السياسية والاقتصادية ويجب عليها في هذه الحالة الرجوع إلى المجلس الوطني لإجازة التعديل الذي يطرأ على الموازنة والبحث عن موارد جديدة تصدق أيضاً عليها من قبل المجلس الوطني.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أن الاتفاق المسبق مع حكومة الجنوب هو خاص برسوم نقل ومعالجة وخدمات الميناء إضافة إلى رسوم العبور جميعها تأخذ مقابلها 9 دولارات عن البرميل الذي يصدر من أعالي النيل فضلاً عن 11 دولاراً لكل برميل يصدر من الوحدة.
وقال الناير: يجب علينا التركيز على مسألة التعويض عن انفصال الجنوب والذي يقدر بحوالي 3 مليارات دولار تدفع على ثلاث سنوات بواقع 15 دولاراً لكل برميل بدلاً من التفكير في مناقشة الرسوم المذكورة، وأكد أنه في حال وجود تفاوض قياساً بالمؤشرات العالمية وانخفاض أسعار البترول يجب أن يكون في مبلغ التعويض وذلك بأن يخفض المبلغ الذي تتقاضاه حكومة السودان مع تعديل المدة الزمنية للسداد من 3 سنوات الى 4.5 سنوات، واعتبر ذلك معالجة للقيمة دون أن تتضرر حكومة السودان او حكومة الجنوب. وقال الناير: في حال تم اتفاق على تخصيص نسبة من الإنتاج بدلاً من دفع رسوم العبور فهي لصالح حكومة السودان طالما التحاسب بالسعر المعلن عالمياً لجهة أن البترول الخام كافٍ لنقله للمصافي بالطاقة القصوى فيمكن التشاور حولها.
بطريقة رسمية
يرى شريف التهامي وزير النفط الأسبق أن اتفاق رسوم العبور في شكله النهائي جاء بعد عدة مفاوضات اشتركت فيه أكثر من منظمة دولية، والحكومة لا تستطيع الاستجابة لمطالب جوبا بمراجعة الاتفاق إلّا في تفاوض رسمي مع الأخذ في الاعتبار ما تم التوافق عليه سابقاً.
وقال: لابد من الجلوس والأخذ بوجهة نظر حكومة الجنوب التي تعاني من حرب أهلية وتمر بمطبات أمنية شائكة، وأضاف أن الأمر يحتاج الى طرح الموضوع في كل المستويات الإقليمي والمحلي والدولي معتبراً ما يحدث في قطاع النفط يمثل تحدياً لكل الدول المنتجة للنفط الأمر الذي دفع هذه الدول لمراجعة اعتماد ميزانياتها المرتكزة على النفط في ظل تراجع أسعاره عالمياً.
وقال: الأمر سيؤثر على الدولتين وهما مطالبتان بالجلوس ومراجعة الأرقام وعن إيقاف الجنوب لإنتاجه من النفط، وأردف: كل شيء وارد مع تراجع أسعار النفط عالمياً، وأضاف: كل التوقعات ممكنة، ولا بد من”عرض حال” في مائدة مستديرة تضم الجهات التي كانت شاهدة على الاتفاق، وقال: إذا تمت المراجعة فإن ذلك أيضاً يستلزم من الحكومة إجراء بعض التعديلات في موازنتها العامة ودعا الطرفين إلى إبداء المرونة في التعامل في مثل هذه المواضيع. وشدد وزير النفط الأسبق على أهمية المراجعة خاصة في ظل التفكير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بإنتاج النفط الحجري الأمرالذي يتطلب من كل الدول المنتجة مراجعة الاعتماد على النفط لأنه سيصبح سلعة مثلها مثل كثير من السلع.
(طق حنك)
وصف الشيخ المك وكيل وزارة المالية الأسبق الحديث عن إيقاف الضخ بالخطير، وقال: لا يوجد خيار للجنوب غير خيار الشمال، وبالتالي من الصعب جداً إيقاف تصدير النفط عبر الشمال، رغم أن الرسوم كانت ضعيفة وقليلة ولكن الجنوب لا مناص له من عدم قبولها، فالنفط يشكل استقراراً للجنوب ولا توجد شروط في الاتفاق للتعديل في حال ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، واستبعد تنفيذ الجنوب تهديده بقفل الحقول لأن اقتصاده يعتمد بصورة أساسية على النفط.
بعد سياسي
وما إذا كان رفض السودان إعادة النظر في اتفاق عبور النفط يحوي جانباً سياسياً يرمي لفرض ضغوط على الجنوب لتسوية الملفات العالقة، يقول الخبير في شأن المنطقة بروفيسور حسن مكي أن هذا الأمر سياسي وليس فقط اقتصادياً وأن سياسة السودان تجاه جنوب السودان في حاجة لإعادة مراجعة كون سعر جوال الذرة في الجنوب الآن يقارب (1800) جنيه، بينما سعره في الشمال (300) جنيه، مشيراً إلى أن فتح التجارة بين البلدين يسهم في إنعاش السوق السودانية ويغذي الخزينة العامة.
وقال: محاصرة الجنوب المستفيد منها حالياً (مافيا التهريب) التي تعمل في الأسواق المشتركة في مناطق التماس، وهذا نتيجة طبيعية لقفل القنوات الرسمية التي تنفتح تبعاً لها القنوات غير الرسمية.
وفي السياق ذاته، قال مكي إن الجنوب لا يمكنه المطالبة بتكاليف سعر عبور النفط التي تزيد عن سعره في السوق العالمية (24) دولاراً، ويعتبر مكي هذه المطالبة غير معقولة من قبل الشمال وتجعله كمن يريد إيقاف شريان الحياة بالنسبة للجنوبيين وقال: هذا لن يؤدي إلا لإطالة أمد الحرب وزيادة الأحقاد القديمة في نفوس شعب الجنوب. وأضاف: ليس كافيا أن يتعلل الشمال بأن الجنوب يأوي قطاع الشمال ليتخذ إجراءات قاسية بهذا الشكل في حق كل شعب الجنوب وليس الحكومة.
وخلص مكي إلى أن رؤيته للحل تقتضي فتح اتفاقية عبور النفط للمراجعة وفتح التجارة، وذلك كفيل أن يعوض السودان ما يفقده من رسوم عبور النفط، ثم وضع اتفاقية مؤقتة مع الجنوب تنص أن لا يأخذ السودان حقه من رسوم عبور وذلك لحين تحسن الأوضاع، ذلك أو تكون الخرطوم كشمشون الذي هدّ المعبد على رؤوس الجميع.
مزيد من التواصل
ويذهب نائب رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان الأسبق د. بابكر محمد توم إلى ان علاقة السودان مع الجنوب في أحسن حالاتها حالياً وبينهما اتفاقيات، وقال إنه من الأفضل أن تتوسع العلائق اكثر مما هي عليه، خاصة جانب التبادل الاقتصادي والتعاون التجاري.
وفي جانب مطالبة الجنوب بتعديل اتفاقية عبور النفط يرى بابكر ان هذا النوع من التعاون الاتفاقات تحكمه قوانين دولية وهذا يحتم التزام الطرفين بهذه الاتفاقية، وإن رأى أحدهما تعديل هذا الاتفاق يجب أن يتم ذلك برضا الطرفين وليس طرفا واحداً لأن أي اتفاق اقتصادي تحدث فيه مستجدات، وقال: طالما علاقتنا بالجنوب جيدة يجب أن تمضي في جانب مزيد من الاتفاقات لكسب سوق الجنوب الذي يمكن أن نصدر إليه (177) سلعة، لذلك تجب علينا المحافظة عليه وعدم التفريط فيه لصالح دول أخرى يمكن أن تختطفه مستقبلاً، وأضاف: لذلك علينا أن نستمر في التبادل التجاري مع الجنوب وتكون هناك مصلحة مشتركة يستفيد البلدان منها.
ومن ثم طالب التوم باحترام الاتفاقية المبرمة بين البلدين لأجل محو مفهوم الجنوبيين أن الشمال لا يحترم الاتفاقيات، وأشار إلى أن أي اتفاقية توضح كيفية التعديل داخلها.
وعن مقولة أن الجنوبيين تضرروا من هذه الاتفاقية يرى التوم أن ذلك لا يعد مبرراً لإلغائها او تعديلها لأن الاتفاقية بمثابة القانون لا سيما وقد صادق عليها برلمانا البلدين، وقال: في هذه الحالة يجب الرجوع لنصها في حال تضرر طرف منها لأن أي اتفاقية فيها مفتاح بمثابة الخارطة.
وعما إذا كانت الاتفاقية أهملت جانب احتمالات ارتفاع وانخفاض الأسعار قال التوم: هذا غير وارد لأن كل طرف يكون ملماً بالاتفاقية، وما تحققه له من فائدة، ويختم: يجب الالتزام بنصوص الاتفاقية وما جاء فيها من بنود، ويجب أن تكون الرغبة في التعديل مشتركة بما يحقق مصلحة الطرفين، بيد أنه أوضح إمكانية موافقة السودان على التعديل شريطة فتح مجال التجارة والاستثمار في وجهه بدولة الجنوب أو (يعوض هذه بتلك)، نافياً أن تكون هناك خسائر تطال السودان في حال أغلق الجنوب أنبوبه النفطي بحسبان أن البترول متوفر في السوق العالمي بأسعار متدنية.
دعوة للمراجعة
ينفي عضو البرلمان عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل والقيادي السابق بالحركة الشعبية محمد معتصم حاكم، وجود استغلال سياسي في موقف السودان واستنكر هكذا قول مع إيواء البلاد لأكثر من مليون لاجئ جنوبي.
ومن باب شهادته على توقيع الاتفاقية الخاصة بعبور نفط الجنوب، يقول حاكم، إنها تمت بناء على أسعار النقل والعبور الدولية للنفط، وأضاف ارتضت حكومة الجنوب ذلك لأنها كانت تعلم أن هذا هو السعر السائد في كل العالم باعتبار أن النقل يتم بالكيلومترات ووسائل التكنولوجيا، لافتاً إلى أن طلب حكومة الجنوب تعديل هذا الاتفاق ليس بجديد، وقد طالبت جوبا بالتخفيض اثناء التوقيع، لكن السودان تمسك بهذا السعر باعتباره السعر السائد في العالم.
يقول حاكم: هذا لا يعفي من أن يتحاور الطرفان للوصول لصيغة وفق الأسعار الحالية، وأردف: لا أرى ما يمنع السودان من خفض أسعار النقل للظروف الموضوعية التي يمر بها الجنوب من نواحٍ اقتصادية وأمنية.

الصيحة


تعليق واحد

  1. اذا لم تتعظ الحكومة من كل اخطائها السابقة فمن باب اولى ان تتنازل و تتيح الفرصة لغيرها !!
    اتفاقية السلام و ما يترتب عليها مسؤولية المجتمع الدولي في المقام الأول و هو نفس المجتمع الذي نفض يده من كل التزاماته تجاه السودان بعد الأنفصال .
    اعفاء الديون , رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب , استئناف المساعدات الدولية و البنك الدولي , رفع الحظر الاقتصادي المفروض على السودان و تسوية النزاع الحدودي مع جنوب السودان في أكثر من منطقة .

    ماعدا ذلك , دعهم يوقفوا ضخ البترول و على المجتمع الدولي ان يصرف على الدولة التي خلقها و تركها عالة علينا .