مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : تطبيع «ضروري» كيف يكون «مشروطاً»؟!


< لا أريد أن أقول إن لجنة العلاقات الخارجية بالحوار الوطني أهدرت وقتاً ثميناً في نقاش قضية لا ينتظر نتيجة بشأنها الشعب السوداني.. وإنها تمثل فقط مصالح أفراد.. وهي قضية التطبيع مع إسرائيل. < وداخل لجنة الحوار الوطني وفي أجواء تحريف حديث غندور الذي كان رداً استنكارياً على مداعبة من عبد الله دينق نيال.. انفتحت شهية بعض أعضاء لجنة العلاقات الخارجية للحديث بلذة عن مسألة التطبيع مع إسرائيل. < أكثر من أربعين عضواً تركوا في ذاك الوقت الحديث المهم عن علاقات السودان الدبلوماسية في مناخ عقد مؤتمر الدبلوماسية السودانية، ليبحثوا كيف يمكن أن تستفيد البلاد من علاقاتها بالخارج أمنياً واقتصادياً. < فمشكلة البلاد في الاستقرار والتنمية التي تحتاج إلى الاستقرار طبعاً.. والتنمية الآن لا تدور عجلتها إلا في الأقاليم المستقرة. < ولو كان السودان دولة صغيرة لما توفرت فيها أقاليم بعيدة عن مناطق النزاعات التي تفجرها أجندة القوى الأجنبية. ومن بين هذه القوى إسرائيل طبعاً.. وهي حتى لو كانت مطبعة مع السودان ولها في كل مدينة سودانية قنصلية، فهذا لا يتعارض مع استمرار أجندتها العدوانية المستهدفة تخريب الموارد.. بل يعينها على التخريب. < فقد جعل الله السودان دولة كبيرة ومترامية الأطراف.. فرغم أن فيها ثلاثة أقاليم ملتهبة ــ وإن كانت تشهد تحسناً بالبرنامج الدفاعي ــ إلا أن أغلبية الأقاليم مهيأة للتنمية والاستثمارات. < واستضافة بعثة دبلوماسية إسرائيلية حتى ولو بشروط كما يقول بعض أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بالحوار الوطني، يمكن أن نندم عليها كما ندمنا على استضافة السفارة الإيرانية. < طبعاً بعض أعضاء اللجنة المذكورة تحدثوا عن «ضرورة» للتطبيع مع إسرائيل يكون «مشروطاً». < وما بين الأقواس يشير إلى ضرورة التطبيع .. وإلى أن يكون هذا التطبيع «الضروري» بشروط. < والسؤال هنا إذن لماذا هو ضروري ولماذا مع ضرورته يكون مشروطاً؟! فهل هو ضروري بالنسبة لإسرائيل حتى يشترط عليها الطرف الآخر؟ وإذا كان ضرورياً بالنسبة للسودان فلماذا يشترط من يراه ضرورياً؟! إن من يطلب شيئاً وهو مضطر إليه لا يشترط طبعاً.. لذلك يبقى نقاش من طالبوا بالتطبيع مع إسرائيل ضعيفاً ومرتبكاً من حيث منطق النقاش والحوار.. ويثبتوا بذلك أنهم غير مؤهلين للتداول في الشأن العام. < ثم بعد ذلك نسأل لماذا هو ضروري ولماذا هو مشروط؟! هل ضرورته ما قالها عبد الله دينق نيال لغندور؟! قال له لن تقبل واشنطن التطبيع مع الخرطوم قبل أن تطبع الأخيرة علاقاتها مع إسرائيل. < والمعلوم أن التطبيع بين الخرطوم وواشنطن واقع ويمضي من وقت إلى آخر في تحسن.. فلماذا الاستعجال خاصة بعد تحسين علاقات السودان بالخليج وهي العلاقات الأهم على الإطلاق طبعاً. < فالقوى الأجنبية تقدم المال للمتمردين لينسفوا الأمن والاستقرار لتخريب الموارد وتعطيل التنمية.. لكن الخليج يقدم للسودان المال لكي يتجاوز به الأزمات المعيشية ويجتاز تحدي رفع الدعم عن السلع الأساسية. إن التطبيع مع واشنطن الآن لم يعد ضرورة تستدعي التطبيع مع إسرائيل.. فقد فات وقت الحاجة إلى التطبيع مع إسرائيل لترويض واشنطن. فواشنطن الآن تجلس مع الحكومة السودانية وسفارتها في الخرطوم تنعم بالأمن والاستقرار أكثر من كل سفاراتها الأخرى.. بما فيها سفارتها في دولة الاحتلال اليهودي في فلسطين. < فما هي الضرورة الأخرى إذا لم تكن العلاقة مع واشنطن؟! هل هي واردات إسرائيل؟! إذن هي دعم التمرد وحضانته وتدريبه. < والتمرد الآن ينهزم في الميدان بتخطيط وبسالة الجيش.. أي أن الجيش هزم المشروع الصهيوني الذي دخل بالشباك، فلماذا يسمح له الحوار الوطني بالدخول بالباب؟! < أما شروط التطبيع فلم أستطع أن اتخيلها.. ترى ماذا تكون وإسرائيل لم تطلب التطبيع؟! هل يكون التطبيع بالشروط أفضل من تطبيع مصر مع إسرائيل؟ نحن نعلم أن اتفاقية كامب ديفيد تتبع لها ملحقات سرية.. وهي منفذة الآن. < وإسرائيل لن تقبل عرضاً دبلوماسياً انهزامياً يمثل واحداً من مخرجات الحوار الوطني بشروط. < فهل اخترقت إسرائيل من بعض المشاركين الحوار الوطني؟! < هل وجدت نفسها فشلت في التسلل بالشباك حينما انهزم التمرد وأرادت أن تجرب الدخول بالباب وهو الآن باب الحوار الوطني؟! < مستوى الحوار بهذه الصورة يبقى متدنياً جداً مادام هذا هو مستوى التفكير الذي يطلب «الضرورة» بشروط. غداً نلتقي بإذن الله.