نور الدين مدني

إنهما أولى بالإحسان والرحمة عند الكبر


*للأسف حدثت بعض التغييرات السالبة في حياتنا الاجتماعية لم نكن نعهدها من قبل عندما كانت الأسر السودانية ممتدة ومتداخلة ومتماسكة‘ لم نعهد هذه القسوة العاطفية الغريبة على سماحة أهل السودان.

*نقول هذا بمناسبة بعض حالات لجوء الأبناء والبنات لإلحاق الآباء والأمهات بدور إيواء المسنين التي هي ذاتها في حاجة لمن يرعاها كما ظهر في الجولة التي قامت بها إيمان كمال الدين في داري المسنين بالخرطوم ونشرت نتائجها في تحقيق بعنوان”دور إيواء المسنين تغلق الأبواب” في عدد أمس الاول بـ” السوداني”.

*أوردت إيمان كمال الدين بعض حالات القسوة العاطفية التي بدأت تظهر في بعض الأسر السودانية مثل حالة الابنة الوحيدة التي رحلت أمها لتسكن مع الجيران‘ بعد أن تزوجت !!.

*حالة أخرى بطلها زوج حرضته زوجته كي يبعث بأمه لتسكن مع شقيقه الأكبر الذي طلب مهلة يرتب فيها أموره‘ وعندما شعرت الأم بذلك خرجت من بيت ابنها هائمة في الشارع بلا مأوى.

*الصادق أحمد عمر مدير دار إيواء المسنين بالخرطوم بحري قال في هذا التحقيق الصحفي إن أكثر من ٧٢ مسناً ومسنة جيء بهم/ن للدار بواسطة الأبناء أو الأخوان‘ لكنهم لم يقبلوهم/ن في الدار لأن ذلك مخالف للوائح التي لاتقبل استقبال من لهم أقارب من الدرجة الأولى.

*أوضح التحقيق الصحفي أن بعض المسنين والمسنات يتم إحضارهم/ن بواسطة شرطة أمن المجتمع‘ وأن إحدى الزوجات أحضرت زوجها عندما كبر وأصبح كفيفاً لدار إيواء المسنين !!.

*للأسف فإن دور إيواء المسنين لم تعد الدور المثلى لرعاية المسنين‘ وهناك اتجاه لإغلاقها كما قالت ممثلة وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم رضا علي سعيد: إن إستراتيجية ولاية الخرطوم تمضي نحن إغلاق هذه الدور.

*وردت إشارة في التحقيق الصحفي لتجربة الدور التجارية لإيواء المسنين كما في مصر ‘ تستقبل المسنين مقابل توكيل بمعاشهم الشهري‘ إضافة لتجربة الأسر البديلة أو محاولة إعادتهم لأسرهم.

*هذا التحقيق الصحفي كشف الغطاء عن بعض سالب ممارساتنا الاجتماعية تجاه من أوصانا الله في محكم تنزيله بهما : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}.سورة الإسراء

*ليس المجال هنا مجال الحديث عن أسباب هذه القسوة العاطفية خاصة في مناطق النزاعات المسلحة والنزوح واللجوء وغياب الأب أو الام أو الاثنين معاً لأسباب مختلفة … الخ .

*ما يهمنا هنا هو محاولة إحياء وتعزيز قيم المودة والرحمة وسط الأسر السودانية ودفعها للحرص على التماسك مهما كانت الظروف‘ دون أن يعني ذلك المضي قي تنفيذ إستراتيجية ولاية الخرطوم نحو إغلاق هذه الدور‘ إنما لابد من البحث عن سبل ووسائل لدعمها والعمل على تحسين خدماتها الإيوائية والمعيشية والصحية والعلاجية لاحتضان المسنين فاقدي الأقربين.