مقالات متنوعة

عماد العالم : “كفار” زمننا هذا!


الكفر والشرك بالله مصطلح نؤمن به كمسلمين موحدين لمن لم يؤمن بالشهادة المرتبطة بوحدانية الله، والاعتقاد بكون المصطفى عبده ورسوله، يعني ذلك أن أي معتقد لا يقوم على الشهادة وفق الإسلام فهو باطل ولن يقبل من أصحابه، هذا هو تعريف الكفر والشرك على المستوى الديني، لكن إنسانياً وبعيدا عن وضع أنفسنا محل الخالق جلّ في علاه، فمعتنقو الديانات والملل الأخرى المختلفة عنا هم بشر مثلنا، طلب منا أن نتعامل معهم بالحسنى، وألا نسب آلهتهم، وبأن نتعايش معهم جيرانا كانوا أو مواطنين في دولهم وفق الضوابط الشرعية، بعيداً عن التشدد الذي خرج به البعض، ومنهم من أفتى مثلاً بحرمة السياحة أو زيارة بلدانهم لغير الضرورة.

قبل فترة بسيطة، انتشر عبر “يوتيوب” ما يسمى “أنشودة” أطلقها أحدهم، وصورها هو وأبناؤه في أحد بلاد “الكفار”، ودعا فيها سيادته للصبر والقبول بأجواء الصحراء المغبرة الحارة، والرضى بها بدلاً من زيارة دولٍ كافرة فيها كل ما يسر العين من الماء والخضرة والنظام الحسن، ونسي ذاك المنشد أنها أيضاً بلدٌ من جملة بلدان أخرى لا تنتمي لنا ديناً وعرقاً، لكنها مسلمة أكثر منا بأنظمتها وعدالتها وإنسانيتها، وفيها من تعاليم شرعنا الحنيف ما لا نطبقه، رغم أنها أنظمة مدنية وعلمانية، إلا أنها استقت السماحة والاعتدال من الإسلام، الذي بتنا ننتمي له كمسلمين بالاسم فقط.

في تقارير منظمة الشفافية العالمية، ستجد عزيزي القارئ أننا في ذيل القائمة من حيث النزاهة، وذلك يعني أننا أمم وشعوب تعيش في دولها المسلمة والعربية التي يستشري فيها الفساد والرشوة والسرقات والبيروقراطية، في غيابٍ للعدالة والمحاسبة والقضاء المستقل النزيه، ومؤسسات المجتمع المدني طليقة اليد، التي تدقق في كل شاردة وواردة لتضمن أن المال العام والمشاريع الحكومية والإدارات والوزارات والمؤسسات الخدمية تؤدي عملها، وفق ما هو مطلوبٌ منها ومفترض، ودون تقصيرٍ ناتجٍ عن فسادٍ شخصي يصب في منفعةٍ لفرد بما لا يستحقه، في نفس التقرير، ستجد من نسميهم بالكفار نعتاً، ومن الغرب على وجه التحديد، هم فقط على رأس القائمة من حيث الشفافية، أي الأمانة والمصداقية والوضوح والإخلاص، والحرص على مال الدولة وعدالتها، دون تفريق وعنصرية ومحاززة ومحاباة، إنما العمل بشرف وخلق دون تكاسل وإسراف، وبأمنٍ وأمانٍ نفتقده في دولنا، لدرجة أن مسؤوليهم ليس لهم مواكب حماية، ولا حراسات خاصة، وإنما شأنهم كبقية أفراد شعبهم من حيث المظهر والمعيشة، لا فرق بينهم سواء كانوا وزراء وأصحاب سعادةٍ ومعالي، أو موظف بريد بسيطٍ مهمته توزيع الرسائل على المنازل، وفي مشهدٍ أعادوا فيه سيرة الفاروق عمر حين عدل فأمن فنام تحت ظل شجرة، وفي ثوبه عدد من الرقع، ومن دون أي حراسة، يده اليسرى تحت رأسه وسادة، ويده اليمنى على عينه تحميه من حرارة الشمس.

كم من عمرٍ بتنا نرى وبكثرة في الدول اللادينية الشفافة، وكم من ثريٍ بينهم تصرف كعثمان بن عفان حين جهز جيش العسرة كاملاً من حر ماله؛ وتبرع بملياراته للأعمال الخيرية، ولم يبق له إلا ما يكفيه في حياته.

كم من المشاهير خلع ثوب الترف والنعمة، وارتحل لمناطق النزاعات واللاجئين والحروب كالممثلة الأميركية أنجلينا جولي، وتعاطف معهم وآزرهم وأطلق حملاتٍ عالمية لمساندتهم والتعريف بقضيتهم.

هم جميعا من فئةٍ واحدةٍ، ما يميزها عنا أنهم ليسوا مثلنا كمعتنقين للإسلام، لكنهم بتصرفاتهم يمثلون روحه وسموه الغائب عنا، هذا هو ما يجعل دولهم قبلة للمهاجرين منا، الهاربين من جحيم دولنا لعدالة أنظمتهم، وحقوقيتهم وإنسانيتهم التي كرست حق الأرض والصحة والتعليم والعبادة لكلٍ حسب اعتقاده، والقول وفق ما يدور في خاطره وهواه، ودون أن يخشى من رجال للأمن ينصتون لصوت أنفاسه وزفيره، وكل ما ينطق به لسانه ليقودوه بعدها لغياهب الجب، التي من يدخلها مفقود، ومن يخرج منها مولود!