عبد الجليل سليمان

أورام الفساد ومفوضيته


قيل في الأثر، إِذَا لَمْ تَسْتَقِمْ أَخْلاقُكُمْ ضاعَتْ أَعْمالُكُمْ، والاستقامة هي الاستواء والاعتدال، ومجازًا هي النزاهة والعدالة والإنصاف. وهكذا فقد شهد البرلمان يوم الأربعاء، أمس الأول، ما أسمتها بعض الصحف بالجلسة العاصفة التي أُجيز خلالها قانون ما أُطلق عليها (المُفوضية القومية للشفافية والاستقامة ومكافحة الفساد).
إلى هنا، يبدو الأمر طبيعيًا ومقبولًا، من جهة أنها خطوة نظرية في السبيل (العملاني) المفترض عندما ينفذ القانون بنزاهة وشفافية، لكن من غير المعقول أن تُلحق بعنوان القانون كلمة زائدة لا معنى لها ولا (إعراب), هما في الحقيقة كلمتان زائدتان (الشفافية والاستقامة)، إلا أن الأخيرة هي التي أثارت جدلاً كبيرًا، جعل الصحف تصف الجلسة تلك بالعاصفة، كما أسلفنا.
بظني، أنه كان يكفي أن تُسمى تلك الآلية المُنوط بها محاربة الفساد العميم والمستشري كنارٍ في هشيم، بمفوضية (مكافحة الفساد) (وبس)، لكن نوابنا وسياسيينا مغرمون بالعبارات الطويلة والمضللة، يعتقدون أنها تمنح بذاتها القوانين والمؤسسات قوة ونفاذًا، لكنهم لا ينتبهون إلى أن بعض الكلمات التي ترد في سياق الجملة تثقلها وتقصم ظهرها وتجعلها مكتنزة دونما فائدة، وعلى طريقة (لا تحسب الشحم فيمن شحمة ورم)، وهذا الورم تحديدًا هو – فيما أعتقد – الذي استهدفه عبد الباسط سبدرات في منافحته إزاء رئيس البرلمان إبراهيم أحمد، معترضًا على إضافة كلمة (الاستقامة) لاسم القانون ومتهمًا رئيس البرلمان ليس بإقحام فحسب، بل بتوجيه النواب للتصويت بحسب رغبته، فيما دافع عمر عن (الكلمة المُقحمة) بداعي التأصيل.
بطبيعة الحال، فإن المُتأمل لتبرير رئيس البرلمان يُصاب بخيبة أمل كبرى، كونه يثقل على القانون بكلمات زائدة من أجل أن يبدو وكأنه مستند على الشريعة الإسلامية (التأصيل)، وبذلك يعود بنا إلى المربع الأول في بداية حكم الإنقاذ حيث استخدمت المصطلحات الدينية بإسراف شديد في أمور شكلانية وشعاراتية فيما كان الواقع على الأرض يمضي عكس ذلك تمامًا، ما أفرغ تلك الشعارات من حمولاتها الدينية والروحانية وجعلها عرضة للسخرية ووضع مستخدميها في حرج كبير، حيث فقد الجمهور الثقة فيهم، لجهة أنهم (يقولون ما لا يفعلون)، وبالتالي فإن إضافة كلمتي (استقامة وشفافية) إلى قانون مفوضية مكافحة الفساد لن تمنحها ثقة الناس، خاصة وأن المبرر لتلك الإضافة فيما يتعلق بكلمة (استقامة)، كان، أنهم يريدون بها (التأصيل)، وللجمهور مع هذه المصطلح تجربة فريدة حيث خبِره و(وعجنه وخبزه) لما يقارب الثلاثة عقود، وما عاد يثق به البتة.
أكثر من ذلك، فإن ما قيل عن أن المفوضية ستكون مسؤولة عن توفير الحماية اللازمة للمبلغين والشهود والخبراء في قضايا الفساد وأقاربهم والأشخاص وثيقي الصلة بهم من أي اعتداءات أو عمليات انتقامية أو ترهيب، وذلك بتأمين مناطق إقامتهم وأماكن عملهم، يشي بأن للفساد (لوبيات) ذات يد قوّية وباطشة تستطيع إلحاق الأذى بمناوئيها ممن بحوزتهم مستندات ووثائق إدانة بحقها، وهذا لعمري ما كنا نشير إليه وينكرونه حتى تورم مثل اسم القانون الجديد.