مزمل ابو القاسم

القائمة السوداء


* مرت ثلاثة أيام على نشر قائمة تداولتها وسائط إعلام إلكترونية، وحوت أسماء (13) صحافياً، قيل إن جهة ما طالبت البنوك بتقديم معلومات عن أرصدتهم ومعاملاتهم، ولم تتكرم أي جهة بنفيها حتى اللحظة.
* في الاجتماع الذي عقده اتحاد الصحافيين مع رؤساء تحرير الصحف تحدث الزميل الأستاذ الصادق الرزيقي، رئيس اتحاد الصحافيين، عن إجراءاتٍ قال إنها ستتخذ ضد بعض الصحف، وتداول مع الزملاء الذين حضروا الاجتماع في كيفية تلافيها، وأنجع السبل لمواجهتها، سيما وأنها ستشمل بعض أساليب (الضرب تحت الحزام)، باستخدام بعض أجهزة الدولة فيها، أو كما قال.
* خلال الأيام الماضية تلقت بعض الصحف تقديرات جزافية، بأرقام خرافية من ديوان الضرائب، الشيء الذي يعزز مصداقية المعلومات التي أدلى بها الرزيقي، حول مساعي بعض الجهات لاستخدام أجهزة الدولة في تأديب الصحف وتدجين الأقلام.
* التعامل مع صحافيين كبار، وقادة رأي عام، وناشرين محترمين، ورؤساء تحرير وكُتَّاب مرموقين، يعملون في واحدة من أنبل المهن على أنهم مشبوهون ومدانون حتى تثبت براءتهم، ليس من شيم أي سلطة متحضرة.
* من وردت أسماؤهم في القائمة صحافيون كبار، مشهود لهم بالوطنية والاستقامة والنزاهة وصدق الانتماء لبلادهم.
* أقلامنا ليست مشبوهة، ومدادنا ليس ملوثاً، وصحفنا غير مطعون في مصداقيتها ولا مهنيتها، وانحيازنا لوطننا وشعبنا ومهنتنا لا تشوبه شائبة عمالة، ولا تحفه شبهة خيانة.
* مصادر أموالنا معلومة، ومعلنة، وكسبنا يتم بخدمة اليمين وعرق الجبين، لا بدعمٍ من سفارات، ولا عونٍ من منظمات تعمل لإيذاء الوطن.
* الصحافة تمثل سلطة رابعة في أي دولة متحضرة، وهي تعمل جنباً إلى جنب مع بقية السلطات (التنفيذية والقضائية والتشريعية)، بمقتضى دستورٍ راقٍ، رسَّم حدود العلاقة بوضوح، وألزم الدولة أن تكفل حرية الصحافة، ومنعها من التضييق عليها، وحضَّ الصحافة نفسها على أن تعمل وفقاً للقانون.
* من ترى السلطة التنفيذية أنه تجاوز القانون فعليها أن تخاصمه بكل شرف في ساحات قضاءٍ اشتهر بالنزاهة، ولم يُعهد فيه أي ميل إلى مداهنة السلطة.
* إذا كانت للحكومة أي مآخذ مهنية على أداء الصحافة فيمكنها أن تدير معها نقاشاً جاداً وشفافاً، تطرح فيه رأيها على الملأ، وتناقشها بكل جدية وصراحة، لمعالجة نقاط التماس بما يخدم مصالح الوطن العليا، بدلاً من التحسس والتجسس والتشكيك غير المبرر في الذمم.
* بديل الصحافة المكتوبة التي تصدر وفقاً لقوانين وتشريعات محددة، وتعمل بمهنية عالية، وتتقيد بأعراف وأخلاقيات راسخة، صحافة أخرى، وإعلام موازٍ، لا كابح له ولا رادع ولا تقاليد تحكم عمله.
* من المؤسف حقاً أن يحدث لنا ذلك في وقتٍ تشهد فيه بلادنا انطلاقةً جادة لحوارٍ يستهدف جمع أهل السودان إلى كلمةٍ سواء.. حوار وصف بأنه جامع ومفتوح، وسبقته تأكيدات صدرت من قمة هرم السلطة التنفيذية، بتعزيز حرية الصحافة، وتمكينها من أداء دورها بلا حجرٍ ولا تضييق، لتسهم مع المتحاورين في الوصول إلى صيغة تمكِّن أبناء السودان من الوصول إلى كلمةٍ سواء.
* نتساءل: أين مخرجات المؤتمر القومي لقضايا الإعلام مما يحدث للصحافة حالياً؟
* لماذا تشعر السلطة التنفيذية بالتبرم من نقد الإعلام لها؟
* هل تريد للصحف أن تتحول إلى نشرات رسمية تسبح بحمدها وتتغاضى عن هفواتها، بوجود وسائل إعلام رسمية، تضم إصدارات وقنوات تلفزيونية وإذاعات ووكالات أنباء ومؤسسات أخرى تؤدي ذلك الدور صباح مساء؟
* الصحف المذكورة والصحافيون الذين حوتهم القائمة يمارسون نشاطهم في وضح النهار، وهم مواطنون صالحون، يدفعون مبالغ ضخمة للضرائب، ويقدمون إقراراتهم الضريبية بشفافية عالية، ويمثلون ممولين محترمين للديوان، وينبغي التعامل معهم بطريقة أفضل من محاولات التشكيك في الذمم، والملاحقات المستترة.
* لسنا لصوصاً ولا تجار مخدرات، ولا نعمل في مجال غسل الأموال، ولم يحدث أن مثلنا أمام أي محكمة أو تمت إدانتنا بتهمٍ تتعلق بالشرف والنزاهة.
* نحن أنظف وأنبل من أن نعامل كالمجرمين والمشبوهين.
* لن يجدوا في أرصدتنا سوى ما كسبته أيادينا بعرق الجبين وسهر الليالي.. ليس لدينا معاملات تتعلق بالتمويل، ولم يحدث أن تحايلنا على البنوك بمعاونة (جوكية)، كبدوا المصارف مليارات الجنيهات، واعتدوا على أموالها بمعونة آخرين، ظلوا بمعزل عن الملاحقة لأنهم أجادوا التحايل على القانون.
* صحفنا تخدم الوطن، وتنشر الأخبار والتحقيقات والتقارير بمهنية عالية، وهي لا تتورع عن التصحيح والاعتذار متى ما أحست أنها أخطأت التقدير، وجافت أدبيات المهنة.
* هذه الصحف محترمة، توظف آلاف الصحافيين والفنيين والموظفين والعمال، وتسهم في دعم الاقتصاد الوطني، وترفده بمداخيل طائلة، مع أنها تعمل في ظروفٍ قاسيةٍ، دفعت بعضها إلى التوقف، وقد تجبر البقية على ذلك لو تواصلت مساعي التضييق، بوجود وعود رسمية تشدق من أطلقوها بأنهم سيدعمون الصحافة، لمساعدتها على تخطي المصاعب الجمة التي تعاني منها حالياً.
* التعامل مع الصحافة ينبغي أن يتم بنهجٍ أفضل، وأسلوبٍ أرقى، يراعي أهميتها للمجتمع والدولة والسلطة نفسها، ودورها الرسالي، كسلطة رابعة، يحفظ لها أنها ساهمت في ترقية أداء الجهاز التنفيذي بنقدٍ مهني التزم جانب المصداقية، وراعى في غالبه أدبيات المهنة.
* التضييق على الصحافة يحوي انتهاكاً للدستور، وتعدياً غير مبرر على سلطة محترمة، ومهنة رسالية، تمثل ضميراً للأمة، ومرآةً للمجتمع.
* قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).