مقالات متنوعة

محمد لطيف : نهر النيل.. سر التحالف الثلاثي الاستثماري! 1


لم تكن وزارة الاستثمار الاتحادية في حاجة لكبير جهد لإقناعي بالسفر إلى ولاية نهر رفقة وزيرها السيد مدثر عبد الغني لسببين.. الأول أن ولاية نهر النيل هي ولايتي التي ترعرعت فيها ويظل يحيطني الإحساس دوما بالتقصير تجاهها لذا أهتبل كل سانحة لارتيادها.. أما السبب الثاني فهو أن دعوة وزارة الاستثمار قالت بوضوح إن الزيارة مخصصة للوقوف على تجارب بعض المستثمرين في القطاع الزراعي.. وأنا أستمتع بالتجوال في مناطق الإنتاج لسببين اثنين أيضا.. الأول الاستمتاع بنماذج إيجابية تعكس جدية وانضباطا وتفرز عطاءً وسخاءً.. وتقول في الخلاصة إن البلد بخير.. وهذه ملامح لا تجدها في زخم الخرطوم وضجيج إعلامه.. وزعيق ساسته وتخبط سياسته.. أما السبب الثاني فهو تأكيد ما كتبته هنا من قبل.. من أن إحدى أبرز مظاهر فشل الدولة عجزها عن إبراز حتى ما تنجح فيه.. ولم أفاجأ شخصيا حين اكتشفت عجبا.. فالدولة وإعلامها هنا يلهون الناس بالحوار..!
كانت أولى المفاجآت بالنسبة لي حين علمت مثلا أن نحو إحدى وعشرين دولة من دول العالم تستثمر في ولاية نهر النيل وحدها.. وأن حجم هذه الاستثمارات يفوق الثلاثة مليارات دولار.. صحيح أن تلك المشاريع تتفاوت من حيث المساحة.. ومن حيث الحجم.. ومن حيث موقف التنفيذ.. ومن حيث العائد المتوقع.. ولكن الصحيح أيضا.. أن كل مشروع من تلك المشاريع.. يتمتع بجدوى اقتصادية.. ويحمل ميزة إنتاجية.. ولا شك له مردوده على مستوى الصادر الوطني.. وعلى مستوى الدخل القومي.. والأهم من ذلك في تنمية مختلف مناطق الولاية.. وتطوير المجتمعات المحلية.. ولعلي ومن معي قد لاحظنا بوضوح عبارتين ظل وزير الاستثمار يرددهما باستمرار.. أينما حللنا بمشروع.. العبارة الأولى هي عبارة الرضى المحلي.. ويعني بها تراضي السكان المحليين من جهة.. والمستثمر والسلطات من جهة أخرى.. على كافة الترتيبات ذات الصلة بقيام المشروع المعني.. وهذا يقدم نموذجا مختلفا عن تجارب سابقة كان الصراع والمواجهات المسلحة أحيانا هي السائدة في الترتيب لأي مشروع استثماري.. أما العبارة الثانية فهي.. المسؤولية المجتمعية للمشاريع المختلفة تجاه المجتمعات المحلية.. ولعلنا نلاحظ أن هذه أيضا ليست ببعيدة عن الأولى رغم الفارق الجوهري.. ونعني به أن الرضى المحلي هو حق للمواطنين يرتبه الاتفاق وتنظمه القوانين بعد ذلك.. قبل قيام المشروع.. بينما المسؤولية المجتمعية مبادرة ذاتية تقدرها وتقدمها المشاريع.. والذي يحكمها التزام أخلاقي.. ولكن قيمته أنه يعزز من فرص الرضى المحلي وبلوغ كماله.. بما يمكن كل طرف في تلك المعادلة من تحقيق أهدافه.. المستثمر.. والسلطات.. والمجتمع المحلي.. وفي ظني أن نجاح ولاية نهر النيل في تأسيس هذا التحالف الثلاثي الإيجابي.. كان هو الدينمو المحرك لقاطرة الاستثمار هناك.. مع إضافة حقيقة أخرى لا تقل أهمية.. وقد أكدها وزير المالية بنهر النيل والمعتمدون الأربعة الذين مررنا بمحلياتهم.. أو بالأحرى تحتضن محلياتهم مشاريع إنتاجية ذات قيمة.. في شندي والدامر وعطبرة وبربر.. وهي أن الولاية لا تتقاضى وليست حريصة على تقاضي أية رسوم من هؤلاء المستثمرين.. حتى يثبتوا أقدامهم.. ويحققوا إنتاجهم.. ويكون بعد ذلك لكل حادث حديث..! ولعمري هذه فلسفة جديدة تجب هي الأخرى نماذج أخرى فاشلة شهدتها فترات سابقة ومواقع أخرى.. وإذا كنا قد طوفنا اليوم على فلسفة الاستثمار في نهر النيل فغدا نطوف بكم على بعض مشاريعه..!