منصور الصويم

حلمُ النفط


أذكر مشهداً من مسرحية عرضت خلال الثمانينيات، يؤديه الممثل القدير عبد الرحمن الشبلي، بأداء كوميدي موغل في السخرية، التي ربما تصل في عمقها النقدي لمتاخمة المأساة أو التموضع في خانة (الكوميديا الكئيبة). في هذا المشهد – لو أسعفتني الذاكرة فاسم المسرحية “الناس العملوا قروش” – يظهر الشبلي طافحاً بالبشر والفرح، بيده شماغ وعقال خليجيان، يضعهما على رأسه ويتحرك متبختراً في الركح، وهو يحادث شخصاً ما أو نفسه بلهجة خليجية صرفة. وفي هذا الحوار يفهم المشاهد أن البترول (النفط)، اكتشف بالبلاد، وأصبح الناس قاب قوسين أو أدنى من هذه الحالة (الخلجنة النفطية)، التي يرفل فيها متوهماً الممثل الشبلي، مبشراً باقتراب الفرج والانتقال من درك الفقر إلى درج الثراء الفاحش. المشهد لمن يذكره كان مكثفاً جداً وناقداً إلى أقصى مدارك الفكر، وبالطبع مضحكاً، بما أن المؤدي هو هذا الكومديان العظيم – الشبلي.
ربما بعد عقد من الزمان لعرض هذه المسرحية، تم اكتشاف البترول فعلياً في السودان، وانتقلت البلاد عملياً إلى خانة الدولة النفطية المصدرة للنفط، وأحس المواطنون بهذه النقلة، وبدأوا يحصدون بعض ثمارها في حالة من الرخاء النسبي التي سادت سنوات الاكتشاف والتصدير الأولى خلال الصدر الأول من هذه الألفية. نعم، لم تبرز إلى السطح تلك الصورة الساخرة التي رسمها الفنان الشبلي للنقلة البترولية المتوقعة “شماغ وعقال ولسان خليجي”؛ إلا أن الناس أحسوا بأنها حقيقية في الطريق صوب الثراء الخليجي؛ قبل أن يستيقظوا ذات صباح ليجدوا أن البترول بآباره وأحلامه صار في مكان آخر وفي حدود دولة أخرى.
الآن، يبدو أن عصر البترول الذهبي قد بدأ في الأفول، وأن قيمته المرجحة لمتانة الاقتصاد لدى دولة دون أخرى آخذة في التراجع بذات المنوال الذي باتت تتراجع به أسعاره في السوق العالمية، لتهبط خلال أقل عام بصورة لم يكن يتوقعها خبراء الاقتصاد، رغم أن كل قراءاتهم كانت تشير إلى هذا الهبوط؛ لكن ليس بهذا المستوى المرعب. سعر برميل النفط الآن وصل إلى (27) دولاراً بينما كان قبل عام فقط في حدود الـ(140) دولاراً، إذن هو انحدار يفوق كل التوقعات ويهوي بها.
هذه الـ(27) دولاراً، تشمل في ما تشمل نصيب الشركات الأجنبية في التعدين، وتكاليف الإنتاج والنقل والعبور.. ماذا تبقى إذن؟