عبد الجليل سليمان

أشتات !


بين النقد والتشهير:
فرقٌ كبيرٌ وبونٌ شاسعٌ جدًا بين النقد والتشهير، لا شك في ذلك، ولا محاججات وجدل، كما لا شك أيضًا في أن جلُّ ما يمارس هنا في كتابات صحف خرطومنا هذه، وبكافة أوجهه السياسية والفنية والثقافية ليس نقدًا البتة، فهو إما محض خواطر وآراء شخصية عادية جدًا، أو نزوع نحو التشهير والهرجلة. ولنا في ذلك من القرائن والشواهد والوثائق ما ينوء كاهلنا عنه.
ما نود أن نشير إليه، بتروٍّ وعقلانية، هو أننا لا نتوقع في ظل الأوضاع السائدة والماثلة، نقدًا حقيقًا مؤسسًا على معرفة ودراية وقائمًا على إنصاف وعدالة، إلا لِمامًا؛ لكننا نهفو ونرنو ونطمح – على الأقل – في كتابات تستبطن ملاحظاتٍ دقيقةً أو إشاراتٍ ذكيةً، عوضًا عن ذات النزعة (الشخصانية) التي يعتقد مجترحوها أنهم نُقاد.
بطبيعة الحال، هذا الغياب الكثيف للنقد المُحكم، يعود إلى ضعف الثقافة الديمقراطية، فغالبًا ما تتحول الآراء العاجزة عن المحاججة وتقديم الأدلة إلى الشتم والتجريح، وبث الاتهامات الخطيرة غير المُثبتة، والتشهير كما يعلم الجميع هو ممارسة اجتماعية غير أصيلة، بيد أن أنظمة الاستبداد ظلت تُغذيها عبر طرق وأساليب كثيرة ومتعددة، بينها أقلام (شبه) صحفية جاهلة، أو منزوعة الخيال والضمير.
تسريب الامتحان:
أن تعترف وزارة التربية والتعليم بتسريب الامتحان التجريبي لمادة الرياضيات الخاص بمرحلة الأساس، أمرٌ يستحقُّ الاحترام، خاصة أن المؤسسات الرسميِّة عوَّدتنا على إنكار الحقائق واعتبارها محض شائعات؛ لكن على الوزارة المعنية أن تعي جيِّداً أن هذا الاعتراف يظل خطوة صغيرة جدًا، لذلك ما كان على مجير الإعلام التربوي فيها – محمد خريف – أن يُطيح بها، بهذه الطريقة المُضحكة المبكية، إذ قال في تصريحات صحفية: “إن الامتحان تم تسريبه عبر تطبيق (واتساب)، في مناطق محدودة بالولاية، فعاد بنا القهقهرى إلى (ثقافة الإنكار والتبرير)، فكيف عرف خريف أن نسخ الامتحان المُسرَّبة تم تداولها في الحلة الجديدة والكلاكلة صنعقت والسامراب دردوق والثورة بالشنقيطي مثلاً، دون بقية أحياء الولاية، وبأي آلاء سمحت له نفسه أن يقول ذلك؟ وهل الواتساب كان حينها حصريًا على مناطق محددة ومُنقطعاً عن غيرها؟ أم الرجل قال ما قال كي يقول ويصرح ويبرر فقط؟
على كلٍّ، ما رأي السيد خريف، إذا قلنا له إن هذا الامتحان أُرسل إلى بعض الطلاب عبر ذات التطبيق في (الصقيعة أم بليل)؟ هل سيصعق؟ لكن فلنتجاوز ذلك وننتظر نتيجة التحقيق، وحينها سنتحدث أكثر.
الاكتشاف هيّن، فماذا بعده؟
في الوقت الذي تتحدث فيه وكالات الأنباء ونواقل الأخبار عن أن إدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) عثرت على كوكب خارج النظام الشمسي، يكاد يكون مماثلاً للأرض, وأنه أكبر ها بنحو (60)%, ويوجد على بعد (1400) سنة ضوئية في مجموعة نجمية أُخرى تعرف بمجموعة الدجاج، وأن الأمر جديٌّ بحيث أكد الباحث بمعهد سيتي في ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا – جيف كوفلين – أن العثور على كوكب شبيه بالأرض ويماثله في الحجم ودرجة الحرارة, ويبشر بوجود مياه سطحية سائلة يعتقد أنها ضرورية للحياة، ويدور حول نجم يشبه الشمس؛ يعتبر تقدمًا هائلاً.
يأتي الجماعة (هنا)، ليخبرونا باكتشاف سبقهم إليه الألباني العثماني (محمد علي باشا)، بنحو أكثر من قرن، قالوا: إنه تم اكتشاف كميات كبيرة من الذهب في ولاية سنار! فهل هذا اكتشاف جديد؟ أم أن الباشا الألباني غزا هذه البلاد من أجله، وبالمناسبة (سنار) هي (بني شنقول). لكن حسنًا، قل إننا اكتشفنا، فماذا استفاد الشعب من الذهب والنفائس التي اكتشفت في الشرق والغرب والشمال غير هذه المعيشة الضنكة.