مقالات متنوعة

خالد حسن كسل : ا(الجنيه) والأسباب العشرة و(جر الشوك)!


> يقال إن الأسباب الموضوعية التي أدت إلى فرض الحصار الاقتصادي على البلاد من دولة تسخر قوتها لضرب المصالح الاقتصادية إلى جانب ضرب الأمن والاستقرار لأية دولة تصنفها عدواً لها، يُقال إن هذه الأسباب تكون معالجتها سياسياً على نحو لا يرضي الحكومة.. وأن هذا معناه أن الحالة الاقتصادية وهبوط قيمة الجنيه باستمرار، مخيف ومقلق لا يستشرق – آخرها قاف – أملاً .
> ويبدو طبعاً أن هذه رؤية معارضين للحكومة..أي غير محايدين.. و لا يمكن الأخذ بها كوصفة علاجية.. لأن فيها تلميحاً لضرورة تشكيل حكومة انتقالية أخرى بعد ذات الخمسة أعوام التي بدأت في عام 2005م.. وانتهت في عام 2010م بإجراء انتخابات شارك فيها الجميع تقريباً.. حتى الحزب الشيوعي الذي يتلذذ بالحكومات الانتقالية حتى ولو كان مشاركاً في حكومات قبلها مثل حكومة عبود وحكومة نميري. ومعالجة الأسباب الموضوعية التي أدت إلى ضرب الحصار على البلاد لم تتوفر بحكومة 2005م الانتقالية، فهل ستوفرها حكومة انتقالية أخرى؟!
> لعل الرهان على حكومة انتقالية جديدة بعد خمس سنوات من الأخيرة خاسر. ومن يحاولون أن يحصروا حل مشكلة استمرار تدني قيمة الجنيه في حكومة انتقالية أخرى أو إسقاط نظام، فهم يدورون حول الحل المنطقي الصحيح الذي ربما يعلمونه وربما لا يعلمونه أو ربما يعلمه بعضهم.
> وزير المالية دكتور بدر الدين محمود، عدد في البرلمان مؤخراً عشرة أسباب لهبوط قيمة الجنيه السوداني.. وكان يمكن أن تكون أقل من خمسة أسباب دعك من أن تكون عشرة. فلا يمكن أن تقف أسباب كثيرة وراء تدني قيمة العملة الوطنية.. فمثلاً إذا كان بعض الصادرات مثل القطن قد تعذر تصديرها لثلاثة مواسم، وكذلك السمم، فهي أصلاً خام صناعات ويمكن تصنيعها في الداخل حتى لو لم يكن لتصدير مصنوعات بدلاً عن الخام.. على الأقل لتقليل الوارد وبالتالي توفير العملة الصعبة.
> لكن الحكومة السودانية كأنها لا تحب الإنتاج من خام البلاد الذي تتحمس لتصديره ليأتينا من الخارج بإهدار العملة الصعبة.. وندرة العملة أخطر من ندرة السلع المأكولة والمشروبة والملبوسة.
> لكننا للأسف في السودان نحب أن نحاكي شعوب في دول متمتعة بعائدات صادر نفطها الغزير. نحاكيهم حتى في إعادة تعبئة السكر بصورة طفيلية ليزيد سعره على المواطن الفقير.
> وفي مرة حينما سأل كاتب هذه السطور اقتصادياً كان مسؤلاً رفيعاً عن ضرورة إعادة تعبئة السكر، أجاب : (إنت ما مشيت الخليج)؟!.
> طبعاً إجابة غريبة لأن السودان لا ينبغي مقارنته بالخليج الذي ينقذ السودان مالياً ومعيشياً، ليصبح عندنا حكومة الإنقاذ ودول الإنقاذ. وسبب آخر يمكن معالجته هو حسب قول الوزير أمام البرلمان، استمرار تهريب الذهب واستمرار تدفقات النقد الأجنبي للخارج بسبب تحويلات العمالة الأجنبية في السودان. وهذا سبب غريب.. فتهريب الذهب يمكن حسمه تماماً طبعاً بالآلة العسكرية فمن يهربون ليسوا أفضل من المتمردين.. أما موضوع العملة الأجنبية، فيمكن استبدالها بعملة وطنية مؤهلة تؤهلها الدولة تأهيلاً كافياً.. وانظروا إلى مصر بجوارنا فهم لم يعرفوا ديمقراطية قبلنا ولا حضارة قبلنا ولا صناعة قبلنا.. والآن انظروا كيف هم بهذه الحساسية تجاه قيمة عملتهم. ومن الأسباب أيضاً، استمرار تداعيات انفصال الجنوب وفقدان السودان لحصيلة النقد الأجنبي. لكن معلوم أن هذا الأمر هو تحدٍ اقتصادي مضى عليه وقت طويل، وتحدث مسؤولون عن تجاوزه، فلماذ يرفع الآن مع هذه الأسباب؟!. إذن.. نحن لسنا في حاجة إلى رؤية الحكومة ولا المعارضة.. وإنما إلى رؤية شخصية محايدة.. وينبغي أن تجتهد اللجنة الاقتصادية بالحوار الوطني في إخراج رؤية اقتصادية تقود إلى تذويب هذه الأسباب التي عددها الوزير وترد على رؤية المعارضة التي ترى حتى نزول الأمطار بغزارة، نحتاج إلى حكومة انتقالية أخرى بعد حكومة نيفاشا الانتقالية!.
> إن السودان بصراحة يحتاج بالدرجة الأولى إلى أحزاب معارضة اقتصادية وليس سياسية. يحتاج إلى إقامة المؤتمر الاقتصادي الأول.. و لو عجزت اللجنة الاقتصادية بالحوار الوطني عن تقديم رؤى نتجاوز بها تنظيرات الحكومة والمعارضة.. فلا قيمة لكل الحوار.. فالأمن والاستقرار لهما رجالهما الأشاوس البواسل في الميدان ولكن الاقتصاد يحتاج إلى من يحافظ على قيمة الجنيه بقرارات لا يكسرها المنتفعون على حساب الشعب.
> السودان يحتاج إلى حظر معظم الصادرات لفترة خمسة أعوام على الاقل.. يكون خلالها معالجات لمشكلات الصادر كله والإنتاج.
> لكن هل سيصبر الناس على أمور يسيرة حتى لا يضروا للصبر على أوضاع لن يستطيعوا عليها صبراً. إن الصبر على حظر معظم الواردات لفترة خمسة أعوام يسترد فيها الجنيه عافيته ويستعيد الميزان التجاري صحته، هو مثل الانتظار في روضة غناء.
> لكن الصبر على بديل ذلك أمر عسير.. ومطلوب من الحكومة طبعاً أن تفعل ذلك من أجل أغلبية الشعب وتبتعد من سياسة (جلداً ما جلدك جُر فيه الشوك). لابد من الابتعاد عن جر شوك الواردات غير الضرورية في جلد معيشة الشعب.
غداً نلتقي بإذن الله…