منوعات

ديوان الزكاة يستعين بعلم الاقتصاد الاجتماعي في مواجهة الفقر


درجت وزارة الشؤون الاجتماعية مشكورة عبر نافذة الأمانة العامة لديوان الزكاة، ممثلة في معهد التدريب الزكوي الواقع شرق الساحة الخضراء بالخرطوم، على إقامة ملتقى اكاديمي دوري، بحثي، رفيع المستوى، قياساً بطبيعة المواد العلمية المتخصصة التي درج على تقديمها علماء اكاديميون متخصصون وآخرون اصحاب خبرات متجذرة في مجالات معرفة العلوم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وشؤون الدين والاسرة.. وهذه التجربة المتميزة التي ابتكرها وحرص عليها المعهد تقوم على اكتاف قيادات ادارية وطنية تقود العمل العام بتجرد، وبالتالي تحرص على استحلاب المفيد للحاضر والمستقبل من ضرع الخبرات الوطنية المعاصرة المشهود لها بغزارة العلم ونضوج التجربة.
وتغمرني الحيرة ويسورني الارتباك وتمضغني الدهشة حين اقارن بين بعد المسافة لواقع دون الطموح في وزارة الشؤون الاجتماعية فاحشة الثراء ولكنها متكلسة المفاصل استسلمت طواعية فتسمرت في قالب الوعود وكفى.. وبذهنية بيروقراطية الخدمة المدنية فشلت وزارة بنت الدولب بجدارة في كيفية استغلال مزايا وقدرات المعهد الذي تفوق على نفسه بضخ معلومات علمية هائلة ظل يسكبها بسخاء في الأوعية المعلوماتية للديوان كمؤسسة اقتصادية تكافلية تمثل بيت مال المسلمين، وبكل أسف مازالت قدرات الوزارة محدودة في إحداث اختراقات جوهرية في ملف الفقر.
ومن خلال قراءات إحصائية محايدة لظاهرة تمدد الفقر في السودان، تبدو الهوة شاسعة بين الواقع والمأمول بسبب ضعف المعالجات العلمية للظاهرة رغم مثابرة الأخ عمر عبد القادر «منسق الملتقى العلمي» الذي داوم على اتصالات راتبة ومرهقة بين كافة الأطراف التي باتت تشكل فسيفساء العصف الذهني للملتقى الراتب.. وان كانت لنا ملاحظات تتعلق بهذه الجزئية الاستراتيجية نلتمس من قيادة وزارة الشؤون الاجتماعية ان ترفع من سقف الاعتمادات المالية المخصصة لهذا الملتقى الذي نرجو منه ونعول عليه كثيراً في ترتيب البيت الداخلي لمعمل تفريخ الحلول المناسبة للفقر عبر بوابة الاقتصاد الاجتماعي حسب رؤية الخطة الخمسية الثانية للاستراتيجية القومية الشاملة.
ومن خلال مخرجات العصف الذهني لمحاضرة الملتقى حول الحوار الاقتصادي الاجتماعي «بتاريخ 19 يناير 2016م» التي تستحق الإشادة، استطاع معهد التدريب الزكوي أن يضع يده على موضع العلة بشأن تداعيات ظاهرة الفقر التي تحولت الى ازمة في السودان، وهي أزمة قابلة للانتقال الى خانة الكارثة ما لم تتعامل كابينة القرار السياسي بإرادة غالبة تروض تحديات الواقع فتحولها الى فرص حقيقية للنمو والتطور.. وابعاد صورة الفقر السوداني تقول: وفقاً للمسح القومي لميزانيات الأسر لعام 2009م، يعيش تحت خط الفقر 46.5% من الأسر في ولايات شمال السودان، اي ما يعادل 14.4 مليون شخص تقريباً.. ويعرف خط الفقر بأنه يشمل الأشخاص الذين تقل قيمة استهلاكهم الإجمالي الشهري عن «114» جنيهاً سودانياً محسوبة علي أساس أن جرعة الطاقة اليومية اللازمة للفرد تساوي «2400» من السعرات الحرارية.. ومعدلات الفقر أعلى بكثير بين سكان الريف حيث يعيش 57.6% من الأسر تحت خط الفقر، مقارنة مع سكان المناطق الحضرية حيث تبلغ تلك النسبة 26.5%.. وبكل أسف تبلغ نسبة فقراء الريف «باستثناء البدو» حوالى 75% من فقراء السودان.. وتوضح البيانات الرقمية أن الخرطوم العاصمة هي منطقة اقل معدل للفقر في السودان بين الولايات، يليها الإقليم الشمالي فالشرقي والأوسط، بينما تحتل كردفان ودارفور مرتبة أفقر المناطق.. وتفوز شمال دارفور بلقب أعلى معدل للفقر.. ومن المفارقات المضحكة أن التحضر لم يشفع لولاية مثل البحر الأحمر أن تنجو من الفك المفترس كونها واحدة ضمن أفقر خمس ولايات في السودان.. والحقيقة الصادمة أن الفقر «متوكر» غالباً في المناطق الريفية وبين من يكسبون عيشهم من الزراعة وتربية الحيوان، ولاحظ أنهما العلامة الماسية والميزة النسبية للاقتصاد السوداني الغارق في لجج المفارقات، حيث يتجاور فيه غنى الموارد وفقر الإمكانات، في ذات اللحظة التي يغشاه فيها نعاس الأمن ويهدده الخوف من المجهول!!

الحسين إسماعيل أبو جنة
الانتباهة