الصادق الرزيقي

الحوار في نهاياته


> ينتهي أمد مؤتمر الحوار الطني قريباً، وبدأت اللجان الست في المحاور المختلفة باستخلاص مخرجاتها وقطف ثمار مداولاتها المتصلة منذ شهور بلا توقف. وكثير من القضايا التي قُتلت بحثاً تم الإفصاح بشأنها كما هو ظاهر من تصريحات أعضاء اللجنة التنسيقية العليا وآلية «7+7» والأمانة العامة وأعضاء اللجان، ولا يعتقد أن هناك تمديد آخر للمؤتمر يتفضل به السيد الرئيس. فالمناقشات غطت كل القضايا والهموم الوطنية المطروحة منذ فجر الاستقلال، وهي ذات القضايا والمشكلات التي يتحدث عنها الممانعون والمقاطعون.. فكل الآراء والاتجاهات والتوجهات السياسية المعارضة كانت حاضرة حتى لو لم يشارك من يتبنونها مباشرة في الحوار، فما يقارب المائة وثمانية وعشرين حزباً وحركة مسلحة، شاركوا في المؤتمر، وشخصيات قومية وأخرى من الطيف السياسي والفكري كانت فاعلة فيه، قدموا كل ما لديهم من تصورات واعتقادات سياسية وفكرية لحل قضايا البلاد، وبقيت فقط التتمة النهائية التي ستعكف عليها الأمانة العامة بصياغة المقررات والنتائج والمخرجات. ونعتقد أنه ليس لدى أي متابع ومراقب أو مشارك، أكثر من سؤالين اثنين لا ثالث لهما، ونحن في الأشواط الختامية لعملية الحوار، ويتلخصان في ما يلي:
> هل سيتم حسم النقاط الخلافية بالتصويت عليها، أم بالتوافق والتراضي ، لإعداد حزمة متكاملة بعد ضمها للمتفق عليه..؟، فإذا كانت بالتصويت عليها، هل سيتم ذلك في إطار اللجان الست، أم في الجمعية العمومية للحوار؟..
> إذا وضعت المخرجات وتمت إجازتها والموافقة عليها، هناك وعد وعهد من السيد رئيس الجمهورية صاحب مبادرة الحوار بإنفاذها كاملة، فما هي أنجع السبل لتطبيقها وإنزالها أرض الواقع؟.. وهل توجد ضمانات أخرى تترافق مع وعد الرئيس وهو الضامن الأول لها؟
> لعل في الحصول على الإجابة لهذين السؤالين، سيبين الطرق الممهد المعبد والمفضي إلى باحة التوافق الوطني، ويؤكد نجاح عملية الحوار، فأي نكوص عمَّا يتم التوافق والاتفاق عليه، سيعود بالبلاد إلى المربع الأول، ولن يكون هناك أمل البتة في الإصلاح أو إنتاج وإعادة تصميم وصناعة مشروع سياسي وطني مجمع عليه..
> في هذا السياق هناك فرصة لم تزل للممتنعين الذين لم يشاركوا، فعملياً تم تجاوز ما يسمى بالمؤتمر التحضيري، وتجاوزت البيئة الإقليمية والدولية حولنا تلك الاشتراطات التي وضعتها القوى المعارضة والمتمردة للمشاركة، فإذا كانت كل القضايا قد تم نقاشها خاصة في الهوية ونظام الحكم والإدارة والحريات السياسية وغيرها، فمن الطبيعي أن ينظر من قاطع المؤتمر إلى الخلاصات والنتائج الختامية وما تمخض عن أربعة أشهر من الجدال الصريح المتجاذب، ويستطيع كل طرف معارض ممانع ومقاطع أن يجد فيها ضالته المنشودة، ويتفق مع الجميع في ما يُتفق عليه.
> وليس بعيداً عن الحوار، فإن مفاوضات برلين غير الرسمية ورديفتها الأخرى مع حركات دارفور المتمردة التي ستنطلق في أديس أبابا بعد أيام، ستكونان على مسافة قريبة جداً في حال حدوث تقدم فيهما، مع نتائج الحوار الوطني وربما مكملتين ومتممتين له، وفي كلٍ خير للبلاد لتخرج من وهدتها ومشكلاتها المستعصية. أما في حالة الإخفاق، فلن يصيب اليأس السودانيين وستظل المساعي من أجل السلام والاستقرار متصلة ولن يُغلق باب يطل من خلاله الأمن وتبزغ شمس الطمأنينة. وتنتظر القوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني والأحزاب الحليفة معه في الحكومة وأحزاب المعارضة والحركات التي شاركت في الحوار، مهمة شاقة وصعبة، هي الحفاظ على ما تحقق في الحوار، استفراغ الوسع في الاجتهاد لجعلها مقبولة لدى الجميع وحشد التأييد لها محلياً وإقليميا ًودولياً، فليس هناك مخرج آخر لبلادنا من وهدتها غير هذا المؤتمر وما يثمر عنه، لقد استنفدنا الفرص المتاحة من أجل الوفاق والوئام الوطني وتغليب صوت العقل على أصوات البنادق، والتبادل السلمي للسلطة والخروج بعيداً عن الدائرة الجهنمية..