مقالات متنوعة

محمد سيد احمد : عودة للخلاصة الخاتمة لرؤية د. عزمي بشارة بشأن العبر المستخلصة من التجربة في الصراع العربي مع إسرائيل


> بعد ان تناولنا في «وحي القلم» أمس وأمس الأول ما دار في الحوار الذي جرى بدار «الإنتباهة» عندما تشرفت بزيارة كريمة من السادة وزير الإعلام الاتحادي الخبير السياسي الكبير د. أحمد بلال كممثل للجنة التنسيقية العليا للحوار الوطني، والخبير الوطني المرموق د. إبراهيم دقش كممثل ومقرر للأمانة العامة للحوار، والأستاذ بشارة جمعة كممثل للجنة سبعة زائد سبعة المعبّرة عن القوى السياسية الحاكمة والمعارضة المشاركة في الحوار، نعود لاستكمال ما كنا قد شرعنا في التطرق له والطرق عليه بشأن الخلاصة الخاتمة للرؤية المتميزة والمتعمقة في تمعنها في الدروس المستفادة والعبر المستخلصة من التجربة الراهنة للصراع العربي مع دولة الكيان الصهيوني الإسرائيلي، كما عبر عنها المفكر الفلسطيني د. عزمي بشارة ونشرها في عدد يناير 2002 من مجلة «العربي» الشهرية الصادرة عن وزارة الإعلام في دولة الكويت الشقيقة.
> وهي الرؤية التي رأينا وجود فائدة في الاشارة لها فيما يتعلق بالدعوة الواردة فيها حول وجود حاجة ملحة لاستراتيجية عربية وفلسطينية جديدة ومغايرة للتجربة الراهنة للصراع الجاري مع دولة الكيان الصهيوني بعد أن ثبت أنها لم تحقق ما تسعى له وتتطلع إليه وتتكامل فيه أو لم تعد ولم تكن ناجحة وناجعة في الحصول على ما تتمادى في التفاني من أجله وتجتهد في سبيله بهذا الصدد وفي هذا الخصوص.
> وكما ذكرنا فإن ما دفعنا للعودة لهذه الرؤية إنما أتى على سبيل المساهمة والمساعدة المسعفة التي نرى انها فاعلة وصائبة ومصوبة للجدل السطحي الجاري بشكل فج في الوقت الحالي على خلفية الإفادة المنسوبة للسيد وزير الخارجية البروفيسور إبراهيم غندور في رده العفوي على سؤال تمت إثارته وتوجيهه له أثناء ندوة، جرى عقدها بمركز دراسات المستقبل في الخرطوم مؤخراًَ، وتحدث فيها السيد الوزير عن المسار الذي تمضي فيه العلاقة المتعثرة والمتردية بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية، حيث دار السؤال المثار والاستفسار المشار إليه عن مدى وجود امكانية لإعادة النظر في العلاقة مع دولة الكيان الصهيوني، ورغم ان السيد الوزير أبدى دهشة ساخرة في الاجابة المختصرة التي أدلى بها فإنه لم يرفض إخضاع الأمر للدراسات الوافية من حيث المبدأ في مدى وجود جدوى لمثل هذه العلاقة التي ظلت مستبعدة ومرفوضة ومنبوذة.
> وبناء على ذلك وطالما انه من الطبيعي والبديهي ان تكون أية مراجعة للعلاقة الراهنة وغير القائمة مع دولة الكيان الصهيوني الإسرائيلي نابعة في المقام الأول من ارتباطها واتصالها بمدى وجود فائدة فيها بالنسبة لما قد ينتج عنها ويترتب عليها من انعكاسات ذات طابع إيجابي للجانب العربي والفلسطيني، في الصراع مع دولة الكان الصهيوني الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المغتصبة بصفة عامة منذ عام 1948، وما تم احتلاله منها في الضفة الغربية وقطاع غزة بصفة خاصة أو على وجه الخصوص عام 1967، فقد ذكر د. عزمي بشارة، في رؤيته المتميزة والمتعمقة في تمعنها الذي أشرنا له، انه لا يوجد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية خلف المنعطف القادم، وإذا ادركنا هذه الحقيقة علينا ان نتوقف عن التفكير في إطار معادلات الحل، ونبدأ التفكير باستراتيجية المدى الطويل في النضال، وذلك على النحو الذي يعني تكييف الأساليب النضالية لتتناسب مع القدرة على الصمود والتحمل، وعدم تأجيل القضايا المتعلقة ببناء المجتمع والاقتصاد وعدم حشر السلطة في هوامش الاهتمام السياسي فقط.
> ويضيف المفكر الفلسطيني ان النضال طويل المدى يتضمن استمرار الصدام مع الاحتلال على مستوى عمليات الاحتجاج والتصدي للاستيطان ولتهويد القدس وللتقييدات التي يفرضها الاحتلال على حركة المواطنين الفلسطينيين وحياتهم اليومية، كما يتضمن التوسيع المستمر لفرض السيطرة الفلسطينية على المقدرات الاقتصادية والأمنية والسياسية وعملية البناء الذاتي المستمرة للمجتمع الفلسطيني، مع تأكيد خاص على البناء الاقتصادي والتعليمي وتحديث نظم الإدارة ومؤسسة اتخاذ القرار من أدنى مستويات العمل المجتمعي الى أعلى مستويات العمل السياسي.
> ويشير د. عزمي بشارة الى أنه إذا أراد الشعب الفلسطيني الانتصار في معركة فرض الإرادة الوطنية، فإنه لا يمكن تأجيل القضايا الواردة أعلاه ومحاولة حسم المعركة مع إسرائيل من خلال عمل نضالي واحد تستثمر فيه كل طاقات الشعب وإمكاناته على النحو الذي يقود الى أحد خيارين هما اليأس والإحباط أو قبول تسوية غير عادلة بينما يبقى الشعب في الحالتين دون إثبات القدرة على حل مسألة السيادة الوطنية كمهمة رئيسة يضاف إليها ازدياد تعقيد القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحاسمة بالنسبة لمصيره ومستقبله.
> ويضيف المفكر الفلسطيني ان إسرائيل لا يمكن أن تنتصر في النضال الطويل المدى اذا تضمن الصراع معها عملية بناء الذات وضمنها بناء المؤسسات الاقتصادية والتعليمية وتشجيع الطاقات والكفاءات الفلسطينية للعودة الى الوطن ومنحها الفرصة للمشاركة، ولكن يجب، من ناحية أخرى، عدم السماح لنزعة البناء الذاتي بأن يتم استخدامها كتبرير لإزالة الحواجز النفسية والسياسية مع المؤسسة الصهيونية، حيث أثبتت مرحلة تسوية أوسلو المبرمة في مطلع تسعينيات القرن الميلادي العشرين، أنها لا تؤدي الى بناء اقتصادي واجتماعي يستحق الذكر، وانما أدت الى نشوء نخب فلسطينية اقتصادية وسياسية وسيطة لا تعمل على بناء صرح المجتمع الفلسطيني الحديث، وإنما على بناء مصالحها كوسيط بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي سيكون من شأنه أن يطور موقفاً سياسياً وسيطاً بالضرورة وبالطبع أيضاً.
> ويشير د. عزمي بشارة، بناء على هذه الرؤية المتميزة والمتعمقة في تمعنها، إلى أن المعادلة المطلوبة، والممكنة في الوقت ذاته إذا توافرت الإرادة والوعي السياسي، هي المعادلة التي تربط استمرار النضال ورفض التوقيع علي تسوية غير عادلة مع عملية بناء الذات البطيئة والتدريجية والمثابرة ضمن المعطيات القائمة ومن خلال خلق حقائق واقعية تعيد تشكيل هذه المعطيات والتحرر من ثنائية وقف الانتفاضة والقبول بالتسوية أو الاستمرار بالأنماط النضالية الراهنة نفسها، دون أخذ العوامل الدولية والإقليمية بعين الاعتبار، بينما بالإمكان رفض التسوية غير العادلة والاستمرار بالنضال مع أخذ الأوضاع السياسية المتغيرة وضرورات الحياة في الصراع الطويل المدى بعين الاعتبار.
وربما كانت لنا عودة.