عبد الباقي الظافر

يا ابن الكلب ..!


فوجئ ضابط السجن الأمريكي بأغرب إجابة يمكن توقعها من رجل قضى أربعة عشر عاماً في غياهب السجن.. المواطن اليمني محمد علي باوزير قال «لا « حينما عرض عليه مغادرة السجن.. باوزير اتهم بأنه من أنصار جماعة أسامة بن لادن.. بناءً على ذلك الاتهام تم اعتقاله في سجن غونتنامو الأمريكي والموجود على الأراضي الكوبية.. المواطن باوزير رفض مغادرة سجنه إلى اي بلد ثالث.. ولم تفصح وزارة الدفاع الأمريكية عن أي معلومات إضافية غير أنها وعدت بإعادة التفاوض مع السجين بغية إقناعه بالاستمتاع بالحرية في مكان جديد.
أمس الأول قرأت في صحيفة الانتباهة خبراً شد انتباهي.. مواطن سوداني دهس كلباً بوليسيا من سلالة نادرة.. من حسن حظ ذوي الراحل أن مالك العربة الظالمة كان يمتلك تأميناً شاملاً.. التسوية قضت أن تدفع شركة التأمين ما يعادل ثلاثة آلاف يورو كتعويض معادل لكلفة استيراد كلب بذات المواصفات.. إذا احتكمنا لسعر السوق الأسود فإن دية ذاك الكلب تبلغ نحو خمسين ألف جنيه.. ولكن ذات المالك سيء الحظ كان عليه أن يدفع ثلاثين ألف جنيه لو كان ضحيته مواطناً سودانياً طوله خمس أقدام وعيونه عسلية.
ما الذي يجعل مواطننا أقل قيمة من كلب أشقر.. الشرع يقول إن دية المسلم مائة من الإبل من مختلف الأعمار .. السلطات قدرت الدية النقدية بمبلغ ثلاثين ألف جنيه سوداني.. هذه المبلغ الآن بالكاد يجعلك تشتري ستة من الإبل.. في السعودية الشقيقة ذات الدية تبلغ الآن أربعمائة ألف ريال سعودي.. وفي الإمارات نحو مئتي ألف درهم ولكنهم حسب وزير العدل هنالك في طريقهم لزيادة المبلغ.. بهذه الحسبة يصبح المرحوم السوداني إذا لقي مصرعه في دول شقيقة يساوي نحو أربعين سودانياً ممن يقتلون في شوارعنا.
ولكن الحقيقة يا سادة أن السعر الحكومي للجمل ليس حقيقياً.. هنا تبرز الحقيقة المؤلمة أننا خفضنا قيمة الإنسان السوداني مقابل الجمال.. لهذا يأتي السؤال من المستفيد من هذا الحساب المعوج.. الإجابة العاجلة شركات التأمين.. الآن هذه الشركات تفضل موت أربعين سودانياً على تلف سيارة دفع رباعي جديدة من واردات اليابان التي يقترب سعرها من «المليار ونصف».
هنالك مستفيد آخر.. القبائل المتحاربة في كل مكان و بلا سبب.. في بعض الأحيان يتسبب فقدان بقرة واحدة في مقتل العشرات.. حساب الجمل المخفض يغري بهدر الدماء.. أحياناً يصل الخراب إلى حرب أهلية تستخدم فيها الآليات الثقيلة.. قبل أن تجف الدماء تأتي الحكومة وتعقد مؤتمراً للصلح تتعهد فيه بدفع الديات.. وبما أن الحكومة هي من تدفع فستكون من أول المستفيدين من رخص الدم السوداني.
في تقديري.. آن الأوان لمراجعة قيمة دية الزول السوداني.. كلما ارتفعت هذه القيمة كلما زادت السلامة في الطرق واهتمت شركات التأمين بالتأكد من صلاحية المركبات قبل أن تصدر لها شهادة عبور الطرق .. المراجعة أيضاً تتسق مع الشرع الذي حدد قيمة الدية بمائة من الإبل، ولكن مشرعنا جعلها مائة من صغار الماعز.
بصراحة.. لا أدري ماذا كان سيقول أديبنا الطيب صالح إن سمع بحادثة الكلب الأوربي والزول السوداني.. الطيب كان يمتدح تسامح أهلنا حين يصفون الشخص «المقرم» بأنه ابن كلب.