يوسف عبد المنان

مظاهر سالبة


يحتفظ الدكتور “مأمون حميدة” وزير الصحة بولاية “الخرطوم”، بصورة في هاتفه الجوال لـطبيب في إحدى المستشفيات الحكومية يجلس مسترخياً على كرسي وثير ويتصفح هاتفه الذكي، ولكنه يضع كلتا رجليه على (التربيزة) إلى جوار السماعة وجهاز قياس ضغط الدم.. الدكتور “مأمون حميدة” بصراحته التي تجرح في كثير من الأحيان مواضع حساسة في الجسد الحكومي المتخن باللامبالاة، سألته (الخميس) الماضي بعد اللقاء الذي نظمه بالمستشفى الأكاديمي عن قصور الوزارة في محاسبة الأطباء في المستشفيات وفي كثير من الأحيان ينشغلون بغير المرضى.. وفي الأسبوع الماضي نزلت ضيفاً على اختصاصي في عيادته الخاصة، لم يكترث الاختصاصي لتحية الإسلام وهو يبتسم في وجه الهاتف الذكي (متصفحاً) الواتساب أو (الفيس بوك)، المهم الطبيب الإنساني انصرف عن المواطن الذي يجلس أمامه بالتواصل مع من هو أهم منه.. رغم أن المواطن المسكين دفع مبلغ (150) جنيهاً لمقابلة الطبيب التي قد لا تتعدى الخمس دقائق وكتابة روشتة علاجية.. بعد مضي دقائق جلوساً في انتظار الطبيب (الفراغ) من الفريضة (الواتساب) قدمت أنا اعتذاراً للطبيب إمعاناً في الاحتجاج على سلوكه.. (متأسف يا دكتور أزعجتك)، وضع الطبيب الهاتف وقال (لا ما في مشكلة) ثم سأل عن ما أشكو منه.. خطرت فكرة أن أشكو له من (الواتساب) و(الفيس بوك) لكن إذا كان وزير الصحة نفسه يحتفظ في هاتفه بصورة لطبيب جالس على كرسيه ويضع رجليه على (التربيزة) ويجد د.”مأمون حميدة” نفسه عاجزاً عن معالجة سلوك الأطباء إذا كانت القضايا الحاضرة أمام الوزير هي معارك لا تنقضي من نقل الخدمة للأطراف.. وتحفيز الأطباء للبقاء في الداخل وكل المغريات تجعل الطبيب يختار الهجرة من أجل واقع أفضل.. أما سلوك المرضى فتلك قصة أخرى.. دخلت المستشفى الأكاديمي لحضور لقاء الوزير مع الصحافيين عن طريق (باب خلفي).. والباب الذي خصص للصحافيين والوزير هو واجهة الطوارئ.. مبنى حديث.. نظيف يسر الناظرين، أطباء مثل الفراشات وسط الأزهار خدمة جيدة.. ولكن من جهة أخرى وجدت المستشفى الأكاديمي مثل كل مستشفيات بلادي نساء (غسلن ملابسهن) ووضعن الملابس في شبابيك العنابر.. الأطفال يتقافزون كأنهم في منتزه عائلي.. روائح كريهة تنبعث من العنابر والممرات.. و(منهول) سرق الحرامية أغطيته فاستعانت إدارة المستشفى بلساتك خردة لتغطية (المنهولات)، ولكن لم تغطِ عورة المستشفى الأكاديمي الذي بات يتألف من واجهة حوادث وإصابات حديثة.. وخلفية عنابر حالها مثل مستشفى الدايات الذي طالبنا الوزير “حميدة” بزيارته وقد أصبحت كل (امرأتين) تتقاسمان سريراً واحداً.
الوزير د.”مأمون حميدة” يظل مثيراً للجدل والرجل يتبوأ منصباً حكومياً رفيعاً في ولاية “الخرطوم”، والمنصب الوزاري سبب كافٍ لجعله مستهدفاً.. والسبب الثاني للمعارك التي تدور حوله قد بسط الله له رزقاً ومالاً جعله من أثرياء بلدٍ فقير ثم علمه وتخصصه كطبيب أيضاً من أسباب حسد الكثيرين له، بيد أن “مأمون حميدة” شخصية مرحة وواقعية جداً يعترف بأخطائه قبل أخطاء حكومته.. وقد طالب الصحافيين بإدانة سلوكيات وممارسات للمواطن السوداني الذي يسيء التعامل مع المرافق العامة ولا يهتم بالنظافة والنظام.. وها نحن نبدأ بالأطباء أنفسهم الذين يشغلون أنفسهم بالهواتف الذكية على حساب المرضى المساكين.
والطبيب السوداني لا يعرف نيل الصدقات بالابتسامة في وجه المريض.. ووزارة الصحة تقف عاجزة عن اتخاذ قرارات بحظر استخدام أجهزة الهاتف الذكي أثناء أداء الواجب المهني.. ومن الاختصاصيين الذين يحترمون المرضى الدكتور “عبد العزيز محمد نور” اختصاصي الباطنية الشهير الذي يغلق الهاتف بدخوله المستشفى أو عيادته الخاصة.
وقبل عامين ونحن طواف على بعض المحلات التجارية مع الأستاذ “بابكر قشي” كبير المستشارين بوزارة العدل في مدينة “ليون” الفرنسية حدثنا أحد الفرنسيين (المغاربة) أن أي موظف أو عامل في مطعم أو بقاله أو مول تجاري يستخدم الهاتف أثناء ساعات العمل وأمام المواطنين من طالبي الخدمة يعتبر ذلك مخالفة بعدم احترام الزبون ويتم فصل الموظف من الخدمة.
أنظر إلى المسافة بين هؤلاء ونحن.. بـ(الأمس) قصدت بنكاً حكومياً يطلقون عليه رائد التمويلات الصغيرة.. كانت الموظفة تحمل كوب الشاي بيدها اليمنى والهاتف باليسرى تتحدث مع شخص آخر وترتشف قهوة الصباح والزبائن وقوف في انتظارها.