الصادق الرزيقي

الصحافة النظيفة


> يوقع رؤساء تحرير الصحف السياسية والرياضية والاجتماعية والاقتصادية، الأسبوع المقبل، وفي حدث تاريخي فريد، على ميثاق الممارسة المهنية الصحفية بالسودان، وهو أول ميثاق من نوعه في صحافتنا، ويتضمن قانون الصحافة لعام 2009م لوح الشرف أو ميثاق الشرف الصحفي (code of ethics) الذي وقعه رؤساء التحرير في عام 2008م، وهو جزء من القانون، وتسند إليه الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم في قضايا النشر الصحفي.
> لكن لم يكن يوجد ميثاق للممارسة المهنية من قبل، وهذا الميثاق (code of practice) ثمرة جهود كبيرة بُذلت من مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية في الدورة السابقة ورؤساء التحرير، ونتاج لبرنامج للتأهيل التطوير والتدريب في أساليب العمل الصحفي نفذها المجلس مع المجلس البريطاني ودورات تدريبية تمت في بريطانيا مع مؤسسة طمسون فاونديشن لرؤساء التحرير وزيارات للصحف الإنجليزية العريقة التي تعمل تحت فضاء واسع من الحرية الصحفية يتم تنظيمها وضبطها بمواثيق الشرف الصحفي والممارسة والسلوك المهني.
> وبعد نقاشات واسعة منذ نهاية عام 2013م وبداية عام 2014م انخرط الصحافيون السودانيون عبر مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية في حوارات داخلية قادها رؤساء التحرير والقيادات الصحفية الأخرى حول هذا الميثاق التفصيلي الذي يضع ضوابط المهنة وأخلاقياتها ومحدداتها وقيمها المهنية بشكل أوضح وأدق، وكأنه شروح لميثاق الشرف الصحفي، وتم وضع مسودة للميثاق بحضور «إيان بليس» وهو خبير بريطاني صاحب تجربة واسعة وخبرة طويلة في هذا المجال تمت دعوته خصيصاً لهذا الغرض، وعقدت ورشة تدريبية في فندق ومطعم الساحة على مدى أيام شارك فيها كبار الصحافيين ورؤساء التحرير والأخ السفير العبيد مروح الأمين العام للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية يومذاك.. وأرسل المجلس من ذلك الوقت نسخاً من الميثاق للدور الصحفية ورؤساء التحرير بغرض إبداء الملاحظات قبل إجازته بشكله النهائي والتوقيع عليه وجعله سارياً.
> ومع انتخاب قيادة جديدة للاتحاد العام للصحافيين السودانيين في الربع الأخير من عام 2014م نشطت الحركة المشتركة بين الاتحاد ومجلس الصحافة في دورته الحالية بعد أن نوقشت المسودة في الأيام الأخيرة للمجلس في دورته السابقة، وتم تكليف لجنة لإعادة الصياغة وإدماج ملاحظات رؤساء التحرير.. وخلال الأسابيع الماضية مع انتظام اجتماعات المجلس القومي للصحافة وتحركات الاتحاد العام للصحافيين لإصحاح بيئة العمل الصحفي وترقية الأداء المهني في مجال الصحافة ولدرء أية مخاطر قد تنجم عن الواقع الحالي الذي تعيشه مهنة الصحافة، برزت الحاجة وهي أكثر إلحاحاً لضرورة وضع الميثاق الذي ينظم ويحدد قواعد السلوك المهنية الصحفية موضع الإنفاذ والتطبيق، وهو ليس قانوناً أو تعهدات ملزمة وقاطعة إنما هو التزامات أخلاقية ومعايرة قيمية تحكم الضمير وترتقي بالمهنة وتصلح أعطابها ذاتياً دون الحاجة إلى وسائل سيطرة وضبط أخرى.
> والميثاق فيه من الشمول والإحاطة بضوابط وقواعد السلوك المهني القويم الذي يجعل الصحافة تؤدي واجبها ودورها وتقدم خدمتها للمجتمع بمسؤولية مهنية وبنزاهة وحيادية، يعتمد الصحافيون فيها قواعدهم المهنية الذهبية الواردة في الميثاق وهي الدقة والمصداقية والتصحيح والاعتذار وحق التعقيب وعدم إفشاء مصادر المعلومات وتجنب الولوغ في بذر الشقاق وسط المجتمع بالتحيزات وبث الروح العرقية والعنصرية وضرورة احترام القيم الدينية والأعراف والتقاليد، وتقدير واحترام الحياة الخاصة، وغيرها من أخلاقيات المهنة المعلومة والمعروفة.
> وخلال الفترة الماضية كثر الحديث عن الصحافة والصحافيين، لكن الوقت قد حان لتلافي كل ما من شأنه التقليل من دور الصحافة وأهميتها في الدولة الحديثة ووظيفتها تجاه المجتمع، وتستطيع الصحافة السودانية بتاريخها الناصع وما لعبته من أدوار وطنية كبيرة وقوة تأثيرها الراهنة في الرأي العام وصناعته، أن تعزز مكانتها ووجودها بانتهاج المنهج السليم في تطوير خدماتها متخذة سبيلها الأخلاقي المهني وسط خضم متلاطم من العقبات والصعوبات العملية والبيئات السياسية والتشريعية والاقتصادية التي تمثل ضغوطاً عليها، ولا بد من تضافر جهود الصحافيين مع بعضهم البعض واستحداث أساليب جديدة في الدفاع عن حقوقهم وحرية الصحافة، بلعب دور فعَّال في ترسيخ مفاهيم الحرية المسؤولة في مواجهة الفوضى التي ضربت بأطنابها في عالم اليوم، خاصة في منطقتنا العربية بكاملها، ونحن جزء لا يتجزأ منها.