مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : ما بعد «دبرزيت» وبيضة أم كتيتي


لقاء دبرزيت بين الحكومة وبعض الحركات لتفاوض غير رسمي.. كشف عن فكرة حركتي جبريل ومناوي بشأن مستقبل الصراع وبقاء اليوناميد بدارفور، وهذا نستنتجه من موقفهما الموحد وكأنهما أصبحا حركة واحدة.
العمليات العسكرية في جبل مرة ليست مما يضغط على حركتي العدل والمساواة جناح جبريل وتحرير السودان جناح مناوي.. والحركتان تطالب بوقفها.. والحكومة تقول إنها تقودها «دفاعاً» و«حماية» للمواطنين.. فهناك لا يوجد استهداف لما هو حكومي والحكومة ترفض أن توفر تكلفة الدفاع والحماية.. تقول هذا واجب دستوري تجاه المواطنين. واستفتاء دارفور الإداري تريد الحركتان تأجيله حتى تصل إلى تسوية مع الحكومة.. وهذا يعني أن الاستفتاء أصبح مثل بيضة أم كتيتي التي يحدثنا عنها أهلنا في غرب السودان حينما تكون هناك مسألة فيها خياران كل منهما يخلف مشكلة. يقولون «بيضة أم كتيتي تمسكها أمك تموت تفكها أبوك يموت».. وهذا المثل الإسطوري الخرافي ينطبق على موقفي الحركات المتفقة مع الحكومة فى السلطة الإقليمية لدارفور وحركتي جبريل ومناوي. فإذا أجري الاستفتاء في موعده كما تخطط السلطة الإقليمية لدارفور تعترض على ذلك الحركتان وتعتبران أن شروط الجلوس للتفاوض مع الحكومة ناقصة. وإذا أجل الاستفتاء إلى ما بعد الوصول إلى تسوية مع الحركتين، فإن الأطراف حتى الآن لم تجلس للتفاوض.. وهذا يعني أن تنفتح جبهة صراع بالداخل بين جماعة السيسي وبين الحزب الحاكم المؤتمر الوطني في إطار الحكومة. أما جماعة «أبو قردة» فلا أخالها ترفض تأجيل الاستفتاء إذا كان هو مطلب الحركتين.. وجماعتا السيسي وأبو قردة انقسما بعد التسوية، وهذا من شأنه أن يقود إلى الانقسام في المواقف خاصة في هذه الحالة. لكن هل سألت الحكومة نفسها عن جدوى التسوية في الدوحة مع «بعض» الحركات المسلحة إذا كانت الأخيرة تتمتع بجدوى التسوية؟! الآن يمكن أن تشعر الحكومة بأنها تحمل في يدها بيضة أم كتيتي.. فإما أن تستمر في واجبها العسكري وتوفي بالعهد وهذا قد يدفع الحركتين إلى التعنت رغم ضعفهما في الميدان وتورطهما في أعمال عسكرية خارج البلاد.. وإما أن تفعل الخيار الآخر. ومن الأفضل طبعاً أن تجلس السيسي وأبو قردة أو أحدهما مع حركتي جبريل ومناوي.. ويكون المؤتمر الوطني بعيداً في انتظار تسوية في شأن مصير دارفور الإداري مع بعض أبناء دارفور.. لكن العمليات العسكرية في جبل مرة لابد من استمرارها طبعاً حتى يكون لدارفور أبناء في المستقبل تحكمهم الحركات. وكان نميري قد أرسل وفداً للتفاوض بقيادة ابن الجنوب أبيل ألير إلى حركة أنانيا التي يقودها ابن الجنوب جوزيف لاقو. وإذا كان أبيل الير من جماعة الاتحاد الاشتراكي.. الحزب الوحيد الحاكم وقتها، فإن الآن مجموعات كبيرة من أبناء دارفور موزعة في كيانات سياسية تحكم.. ويمكن أن يتشكل وفد الحكومة للتفاوض من كل القبائل الدارفورية لأن تغييب قبيلة أو أكثر يعني الحفاظ على استمرار الأزمة. مهما كان عدد القبائل فلا بد من تمثيلها كلها.. والحكومة تقول إنها مستعدة لاستمرار اللقاءات غير الرسمية مع الحركتين المذكورتين. بعد ذلك تبقى حركة عبدالواحد وهي بعيدة جداً عن التفاوض حتى غير الرسمي مع الحكومة.. لكن ما نعلمه عنها أنها حسب آخر تصريحات لرئيسها، أنها تنتظر أن تحل مشكلة دارفور وتزول نهائياً ويعود الأمن والاستقرار.. وتخلو دارفور حتى من عمليات النهب المسلح.. بعد ذلك يمكن أن يجلس عبد الواحد مع الحكومة ويتفاوض معها. لكن بعد ذلك يتفاوض معها في ماذا؟! هل في التطبيع مع إسرائيل.. و تطوير مكتب حركته هناك إلى سفارة للسودان؟! لو أراد عبدالواحد أن يحاور الحكومة في وقت ليس فيه مشكلات أمنية في دارفور، لماذا تمرد ونقل بتمرده الحرب من الجنوب إلى الغرب بدلاً من أن يعلن عن حزب سياسي أو ينشط حزب نهضة دارفور القديم؟! مسؤولية الأمن الآن في دارفور ليست مسؤولية الحزب الحاكم وحده.. وإذا كانت هي مسؤولية الحكومة فإن الحكومة فيها الآن السيسي وأبوقردة.. فإما أن يجتهدان مع المؤتمر الوطني وإما أن يستبدلهما الحزب الحاكم مستقبلاً بجبريل ومناوي لحسم المشكلة مع عبد الواحد. لقد طالت معاناة أهل دارفور.. ولا يمكن أن يكون استفتاء مصير الإقليم الإداري أولوية الآن طبعاً قبل حسم التمرد نهائياً باستمرار العمليات العسكرية في جبل مرة.. لكن أيضاً لا يمكن أن توقع الحكومة على اتفاق وتتنصل منه من أجل رغبة مجموعتين متحدتين بحكم صلة القرابة بعد أن هزمتهما في الميدان. من ناحية معاناة المواطنين الأبرياء لا تشعر الحكومة بطعم انتصاراتها على المتمردين.. فيسوءها ما يسعد القوى الأجنبية.. يسوءها تدهور الأوضاع الإنسانية بصورة أسوأ حينما تلجأ قوات التمرد إلى نهب المواطنين تحت تهديد السلاح. ويحمل المواطنون الحكومة المسؤولية ويتساءلون أين قوات الحكومة.. والحكومة لا يمكن أن ترد بالقول إن جبريل و مناوي طلبا وقف العمليات العسكرية ليكون المواطنون بلا حماية. ونسأل هنا جبريل ومناوي لماذا تريدان أبناء جبل مرة بدون حماية حكومية بالمطالبة بوقف العمليات العسكرية؟! فما قيمة الحكومة إذا تنازلت عن مسؤوليتها الدفاعية والتأمينية تجاه المواطنين؟! كلام عجيب.. الحركتان تريدان زيادة سوء الأوضاع الأمنية لتقوية موقفهما التفاوضي الموحد فهما عملياً أصبحا حركة واحدة. ومطالبتهما بالقف الفوري لعمليات الدفاع والحماية لعله يحقق مصلحة لأجندة قوات اليوناميد التي طابت لها وإحلوت الإقامة في دارفور.. والله يستر.
غدا نلتقي بإذن الله…