عالمية

في ذكرى يناير.. متى تنجح “معارضة الخارج” في خدمة قضية بلادها؟


من الذي يحسم الأمور في حالة دخول البلاد في حالة ثورة أو انقلاب أو حرب أهلية، هل هي قوى الداخل أم الخارج؟ هل هو من يقاتل بالدبلوماسية والسياسة في المنفى أم من يقاتل بالمقاومة في الداخل؟

هذا السؤال التاريخي طرح نفسه على كثير من الدول أثناء الحرب العالمية الثانية حينما قاد الجنرال الفرنسي شارل ديغول المقاومة الشعبية للاحتلال النازي لبلاده من العاصمة البريطانية لندن.

ويحدث أن يصير النظام الحاكم شموليًا، ويحدث أيضًا، نتيجة حالة السلطوية الناتجة عن فرض الدولة سلطتها على المجتمع والسيطرة على كافة جوانب الحياة، أن يتم إقصاء المعارضين بأشكالٍ كثيرة، منها الاعتقال، والمطاردة والنفي، ليصير المعارض “المنفي” ضمن منظومة المعارضة العامة للنظام، بشكل تنظيمي أو فردي.

النموذج المصري

ومع حلول الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير/كانون الثاني، التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ودخول المعارضة المصرية دوامة المعارضة في الخارج نتيجة التضييق الأمني بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، فإنه وبعد ما يزيد على العامين من هذا الانقلاب، لم تحقق قوى المعارضة في الخارج أي تغيير يُذكر، بل أصبحت هذه القوى عبئًا بتصريحات قيادييها على المشاركين في الحراك الرافض لنظام السيسي في مصر، حسب وصف بعض الشباب.

بعد فضّ اعتصام رابعة خرج العديد من القيادات السياسية الرافضة لمسار الثالث من يوليو من مصر، استقروا بين تركيا وقطر، الأخيرة كانت منصة إعلامية من خلال نوافذ قنوات الجزيرة.

أما في تركيا، فظل المتحدث السياسي الوحيد باسم الحراك المناهض للانقلاب هو التحالف الوطني لدعم الشرعية، وما ينضوي تحته من أحزاب وكيانات، ليأتي بعد ذلك الإعلان عن وثيقة بروكسل، بداية مايو/أيار 2014، إلا أنه بعد إعلان الوثيقة ومبادئها وما ينبني عليه لم تكُن له فعاليات تُذكر سوى المؤتمر الصحفي الذي أُعلنت فيه.

بعد ذلك في بداية شهر أغسطس/آب من نفس العام أُعلن تأسيس المجلس الثوري المصري في إسطنبول، واعتُبر المجلس تحالفًا سياسيًا جديدًا مختلف التوجه – كما قال مؤسسوه – له العديد من الملفات التي يريد إنجازها في إطار تطوير الحراك السياسي الدولي.

كانت أهداف المجلس المبدئية المعلنة هي تحقيق أهداف ثورة 25 يناير/كانون الثاني، واصطفاف كافة القوى الثورية والشبابية المناهضة للانقلاب وتجاوز الخلافات وبناء رؤية مستقبلية مشتركة، وحشد الدعم الدولي لدعم ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وبناء دولة المواطنة والعدل والحرية والكرامة.

إلا أنه وحتى أسابيع قليلة لم يُلحظ للمجلس أي نشاط مؤثر بعيدًا عن المؤتمرات الصحفية التي تُعقد بصفة شبه دورية، لإبداء الرأي في الأحداث الدائرة في مصر فقط، ثم توالت الاستقالات من المجلس.

الخطوة السياسية الأبرز تمثلت في إعلان عدد من البرلمانيين المصريين في عهد الرئيس محمد مرسي، استئناف جلسات مجلس النواب المنتخب عام 2012، واعتباره في حال انعقاد مستمر في الخارج تحديدًا في مدينة إسطنبول التركية وذلك لخطورة الوضع في البلاد، على حد قولهم.

كان حديث المجلس في بياناته الأولى تحذيريًا للسلطة من تنفيذ أي قرارات أو قوانين يُصدرها عبدالفتاح السيسي ونظامُه؛ لأنهما فاقدان للشرعية وفق البيان.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014 وفي يوم الطالب العالمي، أطلق نشطاء وأكاديميون مصريون حملة دولية للتضامن مع الجامعات المصرية.

وأعلن رؤساء اتحادات طلاب عالمية اعتبار يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، يوم الطالب العالمي يوما للتضامن مع طلاب مصر والدعوة الى فعاليات في جميع جامعات العالم تضامنا مع طلاب مصر.

وبعد كُل هذه الكيانات والبيانات والإعلانات، فإن دور المعارضة في الخارج أصبح غير مؤثر على الأقل من الناحية السياسية الدولية، فمواقف الدول الآن أصبحت تتغير بالإيجاب تجاه نظام السيسي، عكس ما كان يحدث بعد الانقلاب العسكري بفترة وجيزة، وهو ما أكده العديد من الخبراء والباحثين في مجال العلاقات الدولية.

المعارضة في الخارج أسيرة التأثير

دور المعارضة في الخارج، كأحزاب أو أفراد، يجعلهم ضمن اللعبة السياسية، إن أرادو أن يصبحوا مؤثرين في مواجهة أنظمتهم، وأيضًا، يمكن القول إن هناك معارضة “صورية” من الخارج، تصنعها الأنظمة، لتصدير مشهد يفيد بأن حراكًا ما، أو حرية تعبير موجودة، معارضة كرتونية بتوصيف أدق.

كما أن خروج الفصائل المعارضة من بلادها يُحدث حالة من الانشقاق والخلاف بينها. يخلق هذا الخلاف نوعًا من عدم الثقة برأي هؤلاء المعارضين، فهم في الخارج لا يمكنهم قراءة الواقع كاملًا، وبينهم خلاف دائم، المعارضة السورية مثال واضح على هذا.

فمع اندلاع أحداث الثورة السورية كان هناك بالفعل معارضون قدماء، خرجوا سابقًا نتيجة قمع نظام الأسد (الأب والابن)، كما ظهرت فصائل وكيانات جديدة معارضة جديدة بعد هروبها من الحرب الأهلية الحالية، تحمل أيديولوجيات وأفكاراً مختلفة، أصاب جميع هذه المعارضات، القديم منها والحديث، داء الانقسام، حتى وصل الأمر أن ترعى بعض الدول مؤتمرات وحوارات ومفاوضات بين فصائل المعارضة مع فصائل معارضة أخرى أيضًا.

ولكي تصبح للمعارضة في الخارج قوة وتأثير حقيقي، يجب عليها جميعًا العمل كفريق واحد، لاختصار كثير من الطرق التي تتعثر مسالكها نتيجة حالة الانقسام الداخلي بينها.

كما يجب عليها بعد ذلك التنسيق مع الحكومات النافذة صاحبة اليد الطولى في منطقة الشرق الأوسط، إن أخذنا بعض دول المنطقة كمثال، ولها مواقف معينة يمكن من خلالها تغيير الوضع القائم أو على الأقل التعبير عن رفضه، فتخلي أمريكا عن دعم مبارك ربما لم يكن بضغط خارجي، لكنه أحدث ربما تغييرًا في معادلة الـ18 يوماً الخاصة بالثورة المصرية.

فئات المعارضة

المعارضون الذين يحملون جنسيات أخرى، ولديهم جميع الحقوق السياسية كمواطنين، يمكن لهم أن يؤثروا على حكوماتهم، من خلال أصواتهم الانتخابية وحراكهم السياسي والمجتمعي.

ورقة الأقليات أيضًا يمكن من خلالها تحريك منظمات المجتمع المدني الدولية، والمنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الأقليات، من خلال رسم صورة متكاملة عن مدى اضطهاد النظام لهذه الأقليات وقمعهم بناءً على أساس مذهبي أو ديني، كما يحدث في كثير من دول المنطقة.

شباب هذه الحركات المعارضة يمكن أن يكون لهم دور فعال في الخارج، في حال انخرط مع أقرانه من الشباب في الجامعات والعمل التطوعي ومؤسسات المجتمع، ليخلق لفكرته قاعدة شبابية جماهيرية، يمكن من خلالها إقامة فعاليات لتدعيم للحراك الداخلي، يكون لها تأثير على القرار الرسمي.

هل يمكن قيادة ثورة عارمة من الخارج؟

“سید روح‌ الله موسوي خمیني”، هكذا ينطقون اسمه بالفارسية، قائد الثورة الإسلامية، التي أطاحت بنظام الشاه الملكي، وأعلنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

شهد الخمیني في طفولته اغتیال والده نتیجة لدفاعه عن حقوقه وحقوق أهل منطقته ووقوفه في وجه الإقطاعیین وعملاء الحکومة آنذاك.

ويحكي عن ذکریاته في الحرب العالمية – وکان حینها یبلغ من العمر 12 عاماً ـ فیقول: “إنَّني أتذکر کلتا الحربین العالمیتین، کنت صغیرًا إلا أني کنت أذهب إلى المدرسة، وقد رأیت الجنود الروس فی المرکز الذي کان في خمین – مسقط رأسه – رأیتهم هناك وأتذکر کیف تعرضت بلادنا للاجتیاح في الحرب العالمیة الاولی”.

استمر الخميني في مواجهة نظام الشاه، ليتم اعتقاله أكثر من مرة، آخرها أفضت به إلى النفي إلى مدينة بورصا التركية، التي وُضِع فيها تحت مراقبة جهاز “السافاك” أو المخابرات الإيرانية آنذاك، ثم النجف في العراق، ثم فرنسا، ليبدأ منها نضاله في الخارج ضد نظام الشاه.

في الفترة التي ذهب فيها إلى باريس لم يكن الخميني قائدًا سياسيًا، بل كان مرجعًا دينيًا فقط، واتخذت التظاهرات وقتها في إيران بُعداً جماهيريًا، وكان يؤكد في كلامه على الدوام أنه يريد الذهاب إلى إيران لكن السلطات لا تأذن له بدخول إيران، وأنه سيكون بين أبناء الشعب متى ما سمح له النظام بدخول إيران، وهذا ما أكسبه شعبيةً أكبر، ساعدت في عدم انفصاله عن التظاهرات في البلاد.

في الفترة نفسها، كان الخميني يرسل رسائله إلى الثوار الإيرانيين من منفاه في باريس عبر شرائط كاسيت تحثهم على مواصلة الكفاح في مواجهة ظلم وبطش الشاه، وبحسب شهادات سُجلت وقتها، كانت تِلك الرسائل تساعد بشكل كبير في ازدياد ثورة الشعب ضد الشاه.

ثُم عاد الخميني، وأسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأصبح أول مرشدٍ أعلى للثورة الإسلامية.

أن تكون في الخارج وتعبر عن شعبك

في 18 يناير/كانون الثاني عاد المعارض التاريخي لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، منصف المرزوقي إلى تونس. وهو المعارض الذي صار فيما بعد أول رئيس في العالم العربي يأتي إلى سدة الحكم ديمقراطيًا ويسلم السلطة ديمقراطيًا إلى المعارض المنافس بعد انتهاء مدة ولايته.

وفور فوز المرزوقي بالانتخابات التونسية، ضجّت محركات البحث على الشبكة العنكبوتية، لمعرفة سيرة الرجُل الذي أصبح رئيسًا بعد معارضة في الداخل والخارج استمرت 20 سنة كاملة. فماذا كان يفعل المرزوقي المعارض إذًا؟

اعتقل المرزوقي في مارس/آذار 1994 ثم أطلق سراحه بعد أربعة أشهر من الاعتقال في زنزانة انفرادية، وقد أفرج عنه على خلفية حملة دولية وتدخل من الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا ورئيس جنوب إفريقيا آنذاك.

ثم أسس مع ثلة من رفاقه المجلس الوطني للحريات بتونس في 10 ديسمبر/كانون الأول 1998 بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد اختير أول رئيس للجنة العربية لحقوق الإنسان بين 1997 و2000.

أسس سنة 2001 حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وأعلنه حزب مقاومة لا حزب معارضة، وطالب بإسقاط نظام بن علي بدلاً عن السعي لإصلاحه لأنه نظام فاسد غير قابل للإصلاح، فصدر ضده حكم بالسجن لمدة عام قوبل بضغوط دولية.

غادر البلاد إراديًا إلى المنفى في ديسمبر/كانون الأول 2001 ليعمل محاضراً في جامعة باريس، حيث بقي هناك حتى عاد سنة 2006 إلى تونس دون إذن السلطة، ودعا إلى عصيان مدني لإسقاط نظام بن علي، ولكن من شدة المضايقات سرعان ما غادر في نفس السنة إلى فرنسا، ومن هناك واصل نضاله الحقوقي ومعارضته بالكتابة والمحاضرات والندوات والمداخلات التلفزيونية في تصريحات وبرامج حوارية.

لكن في كثير من الأحيان، ما يكون فشل المعارضة الخارجية أقرب لنجاحها، بسبب بُعدها عن التحديات الأساسية التي تواجهها، أبرز هذه التحديّات تتمثل في إيجاد خطاب يعبر بشكل أساسي عن الداخل، الذي لا يجوز بأي حال من الأحوال الانفصال عنه، وبتحقيق هذا الخطاب تتحقق معه المطالب الأساسية التي ينادي بها المعارضون في الداخل، فالإشكالية التي تواجه كثيرًا من قوى المعارضة في الخارج في أي دولة، هي فقدان البوصلة التي ينادي بها الداخل.

وبالنظر إلى الواقع، فإن حالة الحراك في الشرق الأوسط أصبحت تستلزم على قوى المعارضة أن تكون لها أجنحة في الخارج، تتحرك في الأطر الموضوعة لها من الداخل وتعبّر عنها.

هافينغتون بوست