تحقيقات وتقارير

(1250) حالة طلاق بمنطقة “مايو” في عام واحد انهيار عش الزوجية.. “قفة الملاح” في قفص الاتهام


لم أكن أخطط لعمل هذا التحقيق، كما أن اختيار منطقة مايو لم يكن خاضعاً لأي تقديرات، لكن وبحكم تكليفي بتغطية بعض المحاكم الواقعة في المنطقة، لفت انتباهي أعداد الجلسات المخصصة للفصل في دعاوى الطلاق. من هنا بدأت القصة، ومن هنا بدأ البحث عن إحصائية تؤكد عدد حالات الطلاق. الأمر لم يكن يسيراً، فقد تطلب طرق أبواب أكثر من جهة حكومية وغيرها، وهو ما انتهى بحصول (الصيحة) على إحصائية رسمية كشفت عن ارتفاع نسبة الطلاق بحي مايو جنوب الخرطوم بصورة غير مسبوقة حيث بلغت في شهر يناير من العام الماضي 149 حالة، أما في شهر فبراير فقد بلغت 139 حالة، وجاءت في باقي شهور العام الماضي كالآتي: مارس”121″ حالة، أبريل”126″ حالة، مايو “95” حالة، يوينو “94” حالة، يوليو”76″ حالة، أغسطس “67” حالة، سبتمبر “68” حالة، أكتوبر “95” حالة، نوفمبر”99″ حالة، وأخيراً شهر ديسمبر الذي بلغت فيه حالات الطلاق “133” حالة، ليكون مجموع حالات الطلاق في بمحكمة شرعية واحدة بحي مايو 1252 حالة.
عشرة أسباب
ومن خلال متابعة (الصيحة) لجلسات المحمكتين الشرعيتين بحي مايو التابع لوحدة النصر الإدارية بمحلية جبل أولياء، وقفت على أسباب وأنواع الطلاق التي بلغت عشرة وهي: الطلاق للغياب وهو في حالة غياب الزوج أكثر من سنة، وذلك إذا كان مجهول المكان تطلق الزوجة بلا تأكيد بعد ثبوت غيابه، وإذا كان معلوم المكان تعطيه المحكمة مهلة، ويعلن الزوج وإذا لم يمثل خلال شهر يتم الطلاق، والسبب الثاني تعرض الزوجة للضرب والإساءة من الزوج، وفي هذه الحالة يكفل لها القانون رفع دعوى تطلب من خلالها الطلاق بطلقة بائنة بدون تأجيل، وكذلك الطلاق لعدم الإنفاق بمعنى أن يكون الزوج موجوداً مع زوجته ولا ينفق عليها أو غائباً ولا ينفق، وإذا ثبت للمحكمة عدم إنفاقه يمهل مدة معقولة للإنفاق عليها، وفي حالة عدم التزامه يتم الطلاق عبر المحكمة. أما إذا كان غير معروف المكان ولا ينفق فيتم طلاقها من غير إمهال، ويتمثل السبب الرابع للطلاق في مايو بما يسمى طلاق الشقاق وهو أن ترفع الزوجه دعوى طلاق للضرر وفشلت في إثبات الضرر ورفضت دعواها فتعود بعد ثلاثه أشهر في حال استمرار الشقاق بينهما لرفع دعوى طلاق الشقاق ويبعث فيها القاضي طرفين، طرف من أهلها وطرف من أهله وإذا تعذر الإصلاح فتطلق بتعويض أو دون تعويض، والنوع الخامس من أنواع الطلاق هو طلاق على مال، وهو أن يتراضى الطرفان على أن يطلقها على مال محدد ومتفق عليه بينهما، وسادساً الطلاق على فدية وهي أن تكون الزوجة ناشز من حكم طاعة عليها ورفضت الذهاب لمنزلها وبعد عام تعود لرفع دعوى طلاق على فدية وشرطه أن يمر عام على ثبوت النشوز، وسابعاً طلاق للمرض أو العيب بمعنى أن يصاب الزوج بمرض أو عيب قبل أو بعد العقد، ولم ترض به الزوجه فيحق لها رفع دعوى طلاق، وثامناً طلاق العنّة وهي أن تشكو الزوجة من عدم استطاعة زوجها فض غشاء بكارتها، أو من عدم قدرة زوجها الجنسية، ومن أنواع الطلاق الأخرى هي طلاق الحبس وهي أن تطلب الزوجة الطلاق لحبس زوجها بالسجن لأكثر من ثلاثة سنوات، ويكون قد مضت عليه سنة من حبسه وتكون أدلة الثبوت صورة من الدعوى، وأخيراً طلاق الإعسار إذا كان الزوج متعسرًا أو لا يستطيع توفير المال للإنفاق يمكن للزوج أن تطلب الطلاق.
طلاق الغيبة
من الملاحظات الجديرة بالاهتمام التي وقفت عليها (الصيحة) بمحاكم مايو الشرعية أن أكثر أنواع الطلاق شيوعاً هي الطلاق للغيبة، بالإضافة إلى الزواج غير الشرعي الذي تعود أسبابه الى عادات بعض المكونات الديمغرافية القاطنة في الحي المكتظ بالسكان، وأيضاً الزواج من غير ولي الأمر وهو أيضاً حسب العادات والتقاليد، بالإضافة إلى طلاق الشقاق الذي تحاول عبره الزوجة بقدر الامكان التخلص من الزوج، بالإضافة إلى طلاق الضرر بسبب الإساءة أو المشاكل خاصة في حالة الوحم التي لا يعرف الزوج كيفية التعامل مع زوجته، وأيضاً من الدعاوى الملفتة للنظر دعاوى إثبات النسب التي تجد المحاكم صعوبة في حسمها لجهة عدم توفر التحاليل المتطورة، وأيضاً الطلاق لحبس الزوج في السجن لفترة طويلة، أما حالات الطلاق غير الموجودة بمايو فهي طلاق العنة والهجر .
تردٍّ اقتصادي وفقر
نسبة الطلاق العالية بحي مايو تؤكد وجود أسباب قوية تقف وراءها، وهذا ما جعلنا أولاً ندق ناقوس الخطر، وثانياً نسأل المختصين في عدد من المجالات عن الأسباب التي تكمن وراء أكثر من ألف ومائتي حالة طلاق في محكمة واحدة بمايو خلال العام الماضي فقط.
(الصيحة) تحدث إلى اولاً الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم فتحي الذي أجاب قائلاً: للطلاق أسباب كثيرة اجتمعت وتضافرت لتعطي تلك النتيجة المؤسفة وبعض تلك العوامل ترجع للظروف الاجتماعية والمادية فنتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السواد الأعظم من السودانيين فإن هذا ألقى بظلاله السالبة على الحياة الأسرية، ويشير إلى أن تفشي حالات الطلاق بالمجتمع عامة ومايو على وجه الخصوص تعود أيضاً الى حالات النزوح والظروف الطبيعية المختلفة مثل المجاعات والفيضانات والحروب، ويرى الدكتور هيثم أن المجتمع السوداني يمر بظروف غاية في التعقيد انعكست بدورها على مجمل العلاقات الإنسانية خاصة الزوجية التي غشاها الوهن. مؤكدًا أن إفرازات الوضع الاقتصادي تبدو واضحة في الأسر الفقيرة، مستدلاً بارتفاع حالات الطلاق للضرر التي ترجع الى البطالة وعدم قدرة الزوج على الإيفاء بالتزاماته الأسرية، ويقول الدكتور فتحي أن المخدرات أيضاً من أسباب طلاق الضرر وفي الحالتين فإن المشاكل بين الأزواج تكون عاملاً مشتركاً، معتبراً أن أزمة السكن وارتفاع قيمة إيجارات المنازل من أسباب الطلاق بداعي خلافات الأزواج، وأردف قائلاً: ومن أسباب الطلاق الإسراف في المظاهر الاجتماعية التي بدأت تظهر وتنتشر بشكل مخيف في مجتمعنا، ويرى أيضاً أن استقلال الزوجة من الناحية المادية أحد أسباب إصرارها على الطلاق لأن هنالك كثيراً من الأزواج يستغلون زوجاتهم مادياً خاصة أن هنالك مؤاشرات تشير الى أن نسبة العاملات في القطاعين الخاص والعام زيادة أكثر من الرجال. وأضاف: كذلك نجد أن الكثير من الأجانب الذين تزوجوا من سودانيات خلال الفترة الماضية التي كانت فيها الأوضاع الاقتصادية بالبلاد جيدة، ولكنهم عادوا الى دولهم بعد أن تراجع الوضع الاقتصادي بالبلاد عقب انفصال الجنوب، وذات الأمر ينطبق على المعدنين الأجانب الذين تزوجوا من سودانيات وعند حصولهم على كميات الذهب التي وفدوا بسببها الى السودان يعودون أدراجهم إلى الدول التي وفدوا منها ويتركون النساء السودانيات اللواتي تزوجن منهم، ويرى الخبير الاقتصادي أن من أبرز أسباب الطلاق أيضاً إثقال كاهل الزوج بطلبات لا تنتهي من قبل الزوجة أو أهلها وهذا يجعله يفضل الطلاق على الاستمرار في الحياة، كما أن ارتفاع تكاليف الزواج بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم تلعب دوراً كبيراً في حالات طلاق لاحقة، وذلك لأن “العريس” بحسب هيثم يجد نفسه مجبراً علي الاقتراض حتى يتمكن من الإيفاء بتكلفة الزواج، وبعد ذلك يدخل في مشاكل اقتصادية تكون ضحيتها في معظم الحالات الزوجة، ويؤكد أن الأوضاع الاقتصادية تلعب أدواراً مقدرة في ارتفاع نسبة الطلاق بمختلف أنحاء البلاد وليس حي مايو فقط.
في مهب الريح
من ناحيتها تشير الدكتورة إحسان فقيري الناشطة في مجال حقوق المرأة والخبيرة الاجتماعية في حديثها مع (الصيحة) إلى تفشي ظاهرة الطلاق بصورة وصفتها بالمخيفة خلال الفترة الأخيرة، وقالت إن معظم حالات الطلاق لأزواج في عقد الثلاثينات من أعمارهم، وأرجعت هذا الأمر إلى المشاكل الكثيرة التي يعاني منها الشباب وأبرزها البطالة، وتضيف: ضيق فرص العمل وضعف الأجور من الأسباب التي تضع الحياة الزوجية في مهب الريح وهي التي تتسبب في حدوث خلافات بين الزوجين تؤدي في أغلب الحالات الى الطلاق، وتعتقد فقيري أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد تلعب دوراً كبيراً في تنامي نسب حالات الطلاق، وتؤكد بأن غياب الدولة وعدم اهتمامها بالمشاريع التي تعين الشباب أسهمت أيضاً في تصاعد حالات الانفصال، وتلفت إحسان إلى أن الدولة لا تقف بجانب الشباب خاصة الذين يقبلون على الحياة الزوجية حيث من المفترض أن تملكهم المنازل والمشاريع الإنتاجية، وتقول إن المتزوجين الشباب حينما يدخلون عش الزوجية يُجابهون بمشاكل لا حصر لها سببها الأساسي الأوضاع الاقتصادية المتردية وإذا وجدوا من يقف بجوارهم بكل تأكيد بإمكانهم عبور نفق الخلافات، وتشير الى أن المرأة حتى بعد انفصالها تواجه عنفاً من المجتمع تتمثل في نظراته السالبة تجاهها، وهذا يجعلها تعيش وضعاً نفسياً ليس جيداً، وتقول إن أخطر القضايا التي أطلت بوجهها أخيراً تتمثل في إنكار بعض الرجال لنسب أبنائهم ووصفت الأمر بالمعيب والخطير الذي يحتاج لدراسة عميقة، وتعود الناشطة في حقوق المرأة وتشير الى أن الأسباب الاقتصادية تلعب أدواراً مقدرة في ارتفاع حالات الطلاق.
الاختيار الخاطئ
من ناحيتها تشير الخبيرة النفسية مرام فاروق الى أن ارتفاع نسبة الطلاق تعود ايضاً إلى أسباب نفسية منها عدم الاختيار الصحيح لشريك أو شريكة الحياة منذ البداية، وتقول في حديثها لـ(الصيحة) إن الاختيار لا يأتي مستندًا على معايير موضوعية تراعي التوافق الاجتماعي والاكاديمي والتربوي والعمر، مشيرة إلى أن عدم وجود العوامل المشتركة يخلق خلافات بين الزوجين يصعب حلها ويكون الطلاق هو المصير في نهاية المطاف، وتضيف: أن بعض الفتيات اخترن الزواج من رجل قد يكبرهن في السن ولكن يكون ثرياً وهذه العلاقة وعند أي منعطف فإنها تتعرض لرياح الخلافات التي قد تقود الى الانفصال، وكذلك بعض الفتيات يتزوجن مدمني مخدرات ويتغاضين في بادئ الأمر عن هذه الصفة السلبية ولكن بمرور الوقت يواجهن مشاكل كثيرة تؤدي أيضاً الى الطلاق، كما أن هناك أسباباً أخرى غير منظورة للطلاق وتتمثل في أن تفتر رغبة أحد الأطراف في الممارسة الزوجية وهذا يفسره الطرف الثاني خطأ ليكون هذا ايضاً سبباً للانفصال، وبصفة عامة لابد من الاختيار السليم منذ البداية حتى تستمر العلاقة الزوجية.

الصيحة