رأي ومقالات

حكايات من زمن المرحلة الابتدائية ؛ يوم كنا نلبس رداء ازرق وقميص سماوي اللون


بالامس جرت علي حسنة المستر مارك ؛ بفضل عريض الظلال وهي تجمعني بدفعتي (حمادة) ؛ اخر عهدي به في خواتيم المرحلة الابتدائية ؛ يوم كنا نلبس رداء ازرق وقميص سماوي اللون ؛ نتعثر في الحقائب المدرسية التي كان بعضها من الدمورية لمن لم يكن اهله حاضري اليسار ؛ كانت تجمعنا مفترقات الطرق في شارع (النص) الفسيح ؛ الذي ينتهي في وسطه بسوق صغير قام واسس علي الحاجة والتقوي والرضاء العام ؛ كنا علي تخوم السابعة نتدافع كالفراشات ؛ اعرف انه تعبير انثوي التفاصيل لكنه ملهم ويطابق المشهد ؛ بعصنا خاصة في الشناء كنت تري وجهه مشطوفا بشحيح ما رسم خارطة بين عظمتي الفكين وبعض الجبهة فيما انحسر الشراب عن ساق متربة ؛ ربما يسرف احدنا في طلي ساقه وبعض يديه بزيت سمسم او جرسلين سميك اللزوجة يتحول لمخلوق يجذب الاتربة التي بمرور الايام لكتلة سواد بنية اللون معتمة ! كان سيرنا انا وحمادة وبكري وخالد وهامبو ولن انسي عبد العزيز يعبر الي جوار منزل دفعتنا (الرشيد) كان صبيا فظ قاس القلب حباه الله بسطة في الجسم ويد مثل رافعة الحديد ؛ حين نقترب نجمع ثرثراتنا الصاخبة نسرع الخطي مخافة ان يخرج علينا لانه حتما سيضع احمال شنطته الثقيلة علي ظهر احدنا ! ويكون قبلها قد نبش احمالنا ووقف علي ما نحمل من اصناف افطار فيقضم ويتذوق مع تعليمات صارمة بان (تقسم) معه ؛ لم يكن يفعل ذاك حاجة وجوعا فهو من ميسوري الحال عكسنا ولكنه كان لئيما مؤلما و فوق هذا لا يستكمل سيره الا ان اثار علينا ثائرة كلاب الطريق ؛ يحمل حجرا فيرجم كلبا ويجري وهو في حل اصلا من اي احمال ونشقي نحن بالصياح والعويل ؛ كل صباح كان كانما يكرف ارواحنا فما ان نعبر الي جوار منزلهم الا ودوي صوت الرتاج مزلزلا فيخرج علي وجهه ابتسامة تكمل ملامح ضخامته المفزعة فنتوقف و(حمادة) يرسل سيلا من ادعية بلغة نوبية اوصاها به جده (دبروسة) ! كان عبد العزيز دوما تلميذا مثاليا ، ملامحه مثل صور الخديوي اسماعيل في مشاهد السينما والمجلات ، بشرة بيضاء وشعر يتقسم عند مفرق الراس ؛ وزي جديد لا يبلي وشنطة تجعله كدبلوماسي صغير ؛ كان برجوازيا بلغة السياسة التي عرفناها لاحقا لكنه مثل اي سوداني كان صاحب قلب حار وود بلد كان اكثرنا رفضا لضيم الرشيد وسرعان ما يشتبك في شجار ينتهي بهما مرميان علي الارض فتتبعثر الاقلام وينطاير (جلاد) الكراسات وينال الطين بعض ارديتنا قبل ان يتدخل بعض السابلة بوساطة تنهي الشجار مع وعيد الرشيد بمعركة اخري بعد الانصراف و(البيوت) وهو وعد لا يتحقق في الغالب لاننا نسلك في العودة فجا اخر ؛ لم يكن في عهدنا ترحيل كان ترحيلنا سوقنا واقدامنا ؛ نجتمع عقب الخروج للعودة نملأ المسافات بالحياة ؛ لعب وجري ومشاجرات ؛ كانت المسافة من المدرسة لمنزل اي منا مساحة للحياة والالفة والصداقات والعداوات ؛ لطالما اقتسمنا الايسكريم مصا ؛ وكثير ما مارسنا كبرياء الصمود والصمت ان احدث احدنا امرا ؛ نتواصي بالكتمان والسترة ؛ حفظنا اسماء بعضنا وملامحنا ؛ لذا حينما اطل حمادة في المسنجر لم يكلف نفسه تعريفا سوي ان يسجل لي مقطعا لصوت كان يصدره من قاع حنجرته تحت شباك بيتكم فتخرج ؛ كان هو وماهر طموش من يجيدان ذلك وكأن ناي قد دق اسفل حلقهما ؛ حينما اتاني الصوت مقطعا شعرت وكأن شخصني يشدني لقاع الازمنة الي ايام طفولتي فقلت .. حمادة ! وقد كان

الخرطوم
محمد حامد جمعة