الطيب مصطفى

كتاب الدرديري بين الوحدة والانفصال


قلت خلال مداخلتي، التي سأكتب عنها بعد قليل، في حفل تدشين كتاب د. الدرديري محمد أحمد بقاعة الشارقة إنني ربما أكون الأسعد بين الحضور بصدور بحثه العميق بعنوان: (الحدود والانفصال في أفريقيا والقانون الدولي)، والذي حضر تقديمه صباح الأربعاء الماضي عدد من كبار رجال القانون والنخب السياسية والأكاديمية وعلى رأسهم رئيس القضاء ووزير العدل والأستاذ علي عثمان محمد طه، وقد نُظم التدشين برعاية شركة زين.

أجاد كل من د. فيصل عبد الرحمن علي طه والمحامي نبيل أديب عند تقديم الكتاب ثم طوّف مؤلفه الدرديري عليه تطوافاً رائعاً مركّزاً على القضايا الأساسية التي طرحها وما أجلها، فقد غاص في القانون الدولي وفي مرجعيات الاتحاد الأفريقي وسياساته حول وحدة الدولة القطرية الموروثة من الاستعمار والتي جعلها أمراً مقدساً لا ينبغي المساس به رغم المبررات التي ساقها بخلاف ذلك حول موقفه من انفصال جنوب السودان وإريتريا.

د. الدرديري قدم طرحاً موضوعياً ونقداً قانونياً عميقاً للأسس التي قامت عليها مبررات الاتحاد الافريقي لتقديس الوحدة مفنداً تلك الأسس ومقدماً حججاً قوية في اتجاه تحقيق رغبات الشعوب في إقامة الوحدة على أسس تحقق تطلعاتها واستقرار دولها أمنياً وسياسياً.

المعقِّبون بروف علي شمو وسبدرات وحسن عابدين أبدوا تخوُّفهم من النقد الذي وجّهه الدرديري لاعتبار الحدود القُطرية المصنوعة من الاستعمار شيئاً مقدساً محذرين مما يمكن أن يجره ذلك الطرح الجريء والناقد لمرئيات الاتحاد الأفريقي على القارة بحدودها المصنوعة، من اضطراب وعدم استقرار ومطالبات بالانفصال سيما وأن الحدود الاستعمارية لم تُبنَ على أسس ومعايير موضوعية قائمة على الانسجام والتوافق القبلي والعرقي بين مكونات الدول القائمة الآن.

أقول تعليقاً إنه لمن الغريب بحق أن يحرص الاتحاد الأفريقي على تقديس الوحدة المصنوعة من الاستعمار ويناقض نفسه بتبريره انفصال الجنوب، وهل يملك الاتحاد الأفريقي من أمره شيئاً إزاء ما تفعله وتقرره الدول الكبرى خاصة أمريكا التي تسوق المجتمع الدولي بما فيه الاتحاد الأفريقي بالعصا نحو ما تريد من وحدة أو انفصال في أي من الدول الأفريقية؟!

في مداخلته الأخيرة قال د. فيصل عبد الرحمن علي طه إن خرق الرئيس نميري لاتفاق أديس أبابا المبرم بينه وبين التمرد الجنوبي الأول بقيادة جوزيف لاقو عام 1972 هو الذي أدى إلى اشتعال الحرب مجدداً وأضاع فرصة استمرار الوحدة، وهذا لعمري خطأ كبير في معرفة الحقائق التاريخية ذلك أن نميري لم يُقدم على خرق الاتفاق لوحده وإنما بطلب من الطرف الجنوبي الذي وقَّع الاتفاقية، فقد أدى توحيد الأقاليم الجنوبية بموجب الاتفاقية إلى هيمنة الدينكا على الجنوب مما وتّر الأجواء وجعل لاقو يطلب من نميري تعديل الاتفاقية بما يقسّم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم، ومعلوم أن لاقو ينتمي إلى قبيلة إستوائية صغيرة تُسمّى (المادي)

ذكرتُ في مداخلتي أن السكرتير الإداري الاستعماري جيمس روبرتسون اعترف بأنه زوّر مؤتمر جوبا عام 1947 لينص على رغبة الجنوب في الوحدة بما يعني أن الاستعمار لم يكن يحرص على تحقيق رغبات الشعوب إنما وفقاً لما يحقق مصالحه الأمر الذي يبرر للشعوب أن تعيد النظر فيما فرضه عليها المستعمر من حدود لم تقم على رغباتها.

إذا كان الاتحاد الأفريقي تشبث بالحدود المصنوعة من الاستعمار وحاول تبرير انفصال الجنوب وإريتريا فكيف بالدول الـ15 التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي والتي وُحّدت معه أول مرة قسراً بل كيف بألمانيا التي فُصلت عقائدياً بين معسكرين رغم أنها تضم شعباً واحداً متجانساً فُصل بالإكراه، ثم عادت إلى الوحدة بزوال الاتحاد السوفيتي؟! جنوب السودان يضم شعوباً وقبائل متنافرة فيما بينها، لذلك تشتعل الحروب بينها الآن، وكذلك كانت متنافرة مع الشمال ولذلك لا غرو في أن تشتعل الحرب بين الشمال والجنوب عام 1955 قبل خروج الإنجليز من السودان.

الأصل في الوحدة التجانس وليس التنافر الذي كلما زادت وتيرته أصبحت الوحدة صعبة أو مستحيلة، ذلك أنه من الصعب بل من المستحيل أن تجمع بين القطط والفئران في مزرعة واحدة، كما أن الزواج الكاثوليكي الذي يحرم الطلاق بين الزوجين مهما بلغ التنافر بينهما ثبت فشله وآبت أوروبا بعد تمنُّع إلى الحل الإسلامي المتماشي مع الفطرة.


تعليق واحد

  1. اذا تم الاحتكام لهذه الاسس في تاسيس الدول اى التجانس الاكيد اجتماعات الامم المتحده حاتكون في خيمه وكراسي بلاستيك والقدام يسمع الورا