داليا الياس

حيّ على الوطن


تبدأ غدا بإذن الله فعاليات المؤتمر العام الثالث للخدمة الوطنية.. ونمني النفس بألا يمر مرور الكرام، وأن تكون مخرجاته بذات العمق والتأثير الذي يفترض أن تحدثه هذه الخدمة الوطنية في مجتمعنا.
وأحسب أن هذا الصرح الشامخ لا يجد ما يليق به من التفات على الصعيدين الرسمي والشعبي!.. فالشاهد أن المواطن الذي لم يختبر بعد تجربة الخدمة الوطنية عن كثب يظل غير مدرك لأبعادها الحقيقية في حياة الشباب على اعتبار كونها بيئة صالحة لإحداث العديد من التغييرات الإيجابية على صعيد الدين والسلوك ومستوى الوعي والإحساس بالمسؤولية، وهي الأشياء التي تؤكد عليها غالبية الأسر التي خاضت التجربة مع أبنائها.
بالمقابل.. لم تدرك الدولة بعد القيمة الحقيقية لهذا الصرح الشامخ الذي يكتنز كافة المعلومات والإحصاءات ويمر عبره شباب الأمة قاطبة بمختلف تخصصاتهم ومجالاتهم دون أن تتم الاستفادة فعليا من تلك التخصصات كل في مجاله!
فكيف بربكم يمكن لخريج هندسة كهربائية مثلا أن يمضي مدة خدمته الوطنية كـ(مراسلة) في جهة ما حتى تكاد الهندسة كعلم مؤثر تتبخر من رأسه؟!
وكيف يهنأ للمعنيين بال بينما لا يزال استحقاق المجند المادي منذ سنوات لا يتجاوز (50) جنيها في الشهر؟!
وهل فكرت جهة ما في الاستعانة بإمكانيات (السيرفر) المتقدم جدا الخاص بالخدمة الوطنية والذي رأيت بأم عيني حجم المعلومات الدقيقة والتفصيلية التي يختزنها والتي تتسع دائرتها في كل عام؟!
هل فكرت الحكومة يوما في استغلال مجندي الخدمة الوطنية بأعدادهم المهولة وحماسهم المتقد في إنفاذ مشاريع المسؤولية الاجتماعية كما يجب؟!
ترى.. ما مدى التحول البيئي الذي يمكن أن يشمل هذه العاصمة الحضارية المفترضة الخرطوم حالما شرع هؤلاء المجندون الأعزاء في (الهجوم) عليها بحملات نظافة منظمة بعيدا عن الدور المنوط بالإدارات المحلية المعنية بمحاربة النفايات والتي تعترف بالتقصير والعجز؟!!
وهل قدر لكم الوقوف على معدلات محو الأمية التي حققها أولئك الشباب في جميع اتجاهات البلاد بالقدر الذي هيأ لبعض الأميين بلوغ الجامعات؟!.. هل تعلمون أنهم يقدمون خدمات صحية إنسانية مستمرة لإنسان بلادي المسكين المنسي في الأصقاع بكامل الحب والتجرد والالتزام؟!
إن الطاقات التي يملكها هؤلاء المجندون.. والإنجازات التي يمضون في تحقيقها بكامل الولاء توجب أن يعاد النظر في ما لهم؛ إذ أنهم يقومون بما عليهم على الوجه الأكمل وتحت إشراف يستحق الإشادة من جميع المنسقين في كل مكان.
ويمكنكم أن تتقصوا الحقائق في ما يلي مشاريع المرأة والطفل والتشجير والمناشط التي تصاحب المعسكرات في مناطقها.
يمكنكم أيضا أن تتمعنوا في الدور الرائد الذي تلعبه الخدمة الوطنية في تجديد دماء المؤسسة العسكرية ورفد القوات المسلحة بما يلزمها من موارد بشرية.
لم تعد الخدمة الوطنية يا سادتي نشاطا تعسفيا تنفر منه النفوس وتتكدر.. فالشاهد أن المجندين سرعان ما ينخرطون في معسكراتهم بشغف كبير.. ويتشبعون بروح الوطنية التي تظل تربطهم بمهامهم الخدمية وإن طال الزمن بذات الرغبة.
لذا.. نرجو أن تشتمل مخرجات هذا المؤتمر المهم على قرارات سيادية تمنح الخدمة الوطنية المزيد من العناية وتهدف للاستخدام المتخصص وتوظيف تلك الطاقات اليافعة في ما ينفع البلاد والعباد بشكل إيجابي رشيد.
كما أتمنى من المجتمع قاطبة أن يعيد النظر بإيجابية كذلك لمضامين وأبعاد تلك الخدمة في حياة شبابنا.. فالشاهد أن كل ما نعانيه الآن من مسالب وانحرافات وفساد وتفلتات لا ينقصه سوى الإحساس الحقيقي بالوطنية والانتماء والرغبة الصادقة في البذل والعطاء.
تلويح:
بريد وطني وبريد ناسو.. أنا وأخواني حراسو..
نبادر نحن بالإنجاز.. ونرفع بالعلم راسو..