هيثم صديق

سداه واستراح


والباب البجيب الريح أتى بالحزن عاصفة أمس، فقلعت أوتاد القلب وأطفأت نار الأمل وكفت قدورنا.. رحل الدكتور عادل بدوائه معه، فترك فينا جراحاً لا تضم شفاهها.
ما أصعب المراثي وأبعد المراسي، وقد غاب عادل الصادق في موجة حزن تزامنت مع موجة برد، فإذا نحن عراة أمام الغزاة.
لم أجد رجلاً تسمو وجهه بسمة مثله، وقلائل هم الذين يستقبلونك بنكتة ويودعونك بها مثل دكتور المكي هذا..
حزينة الصحافة السودانية اليوم وهي تفتقد قلماً كبيراً مثله ويتيمة هي (اليوم التالي) اليوم، وهي تفقد أباً رحيماً.
تميز الدكتور عادل رحمه بالكتابة الدارجية الساخرة والموحية، فأصاب فيها نجاحاً منقطع النظير، ساعده في ذلك ثقافته العلمية والحياتية في وقت واحد، مع موهبة استثنائية تعرف كيف تسقط المثال وتوصف الحال.
رحل عادل الصادق في شتاء حزين أوقفناه لأزمان لاجترار المراثي وتفصيل المآسي واخترام القلوب.
وهاهي الكلمات تستحيل لكمات ترعف القلب وتدمي الفؤاد متتالية وعنيفة كما يليق بضعفنا.
نودع عادل الصادق ونعرف أننا به لاحقون، ستزلزلنا المفاجأة، ثم تلهينا الدنيا مجدداً في انتظار لطمة جديدة حتى يقع لنا ما وقع لهم، فالباقي هو الله.
إلا أن ما كتبه الدكتور عادل سيبقي أبدا بين الناس فلم يكتب للنسيان.. كان يديها بالشلوت هذه الدنيا، لذلك لم يفتقدها.
يفتح الباب البجيب الريح ويستعذب رمالها ولفحها سمومها وبردها.
عند الركن الشرقي لملاعب كمبوني كان يجلس مواجها لـ (اليوم التالي) أبداً كما في الحياة يشرب قهوته و(يدنكل) سفته ويقهقه.
زرنا يوماً دار المايقوما، فرأيت ابتسامته تزوي وضحكته تغادر ودموعه تجف.. بكى يومذاك بكاءً مراً والأطفال مجهولو الأبوين يتعلقون بأعناقنا ويتمسكون بأيادينا، وقال لي (قلبي وجعني).. لم يوجعك قلبك كما فعل رحيلك بقلوبنا..
إلى رحمة الله وجنانه أيها الرجل الكبير إلى دار أوسع تشبه ابتسامتك.. إلى رحمة الله أيها الرحيم.
ولأن جراح فرق الأحبة لا يكاد يندمل، فسنواسي أنفسنا بالإغراء بالالتهاء، وبغض الطرف والإسراف في المباكي.
انغلق أيها الباب اليوم، فحارسك الأمين مات، وعويّ أيتها الرياح، فهذا البسام الوفي
وأمان الله منا يا منايا..