مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي : ما كان لله يصل إلى (شركائهم)


كلما أرادت النخبة الحاكمة أن ترفع الدعم عن سلعة إستراتيجية أو ضرورية جداً مثل الكهرباء، والغاز والبنزين ونحو ذلك، لا تعدم الحيل و(أقراص) الكلام المخدر والخطب المعسولة، فهي في كل مرة تأتي بما يعجز عنه الخطباء المفوهون.
كم مرة أيها القارئ الكريم سمعت المسؤولين عند كل قرار برفع الدعم عن سلعة وهم يقولون: (إن الدعم لا تسفيد منه الشرائح الضعيفة بل الأغنياء وحدهم هم المستفيدون من دعم تلك السلع، ولذلك تسعى الدولة من خلال خطة طموحة أن تضع هذا الدعم في جيب الشرائح الضعيفة من خلال برنامج الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة)، هكذا يقولون، ولكننا لا نرى إلا فقراً مدقعاً وبؤساً شديداً ..
وفي اعتقادي إن صح المقصد والهدف وخلصت النوايا، وصدق التوجه فإن هذا الدعم المرفوع من فاتورة الكهرباء، والبنزين والجازولين والغاز وكل المحروقات لكفى حاجة الأسر الفقيرة، ولما عاد في السودان سائل كسره ذل السؤال، ولا محروم ألجمته العفة، لكن يبدو أن الأمر مجرد(حنك).
ثم من هم الأغنياء الذين تريد السلطة الحاكمة أن تحجب عنهم الدعم وتوجهه
للشرائح الضعيفة وحدها؟ ومن هي الشرائح الضعيفة؟.. أليس السواد الأعظم من المواطنين كله فقير عاجز عن توفير احتياجاته الضرورية، والعلاج؟ ..
أليس الأغنياء هم الثقاة وأهل الحظوة و(المصارين البيض) الذين (مكنتهم) السلطة ذاتها من نواصي المال ومهدت لهم طريق الثراء الحلال والحرام والمشبوه؟، أوليس هم أصدقاء الحكومة والموالين لها وحلفائها من الانتهازيين والنفعيين؟، أوليس هم من يحظون برضاء الحكومة وتسهيلاتها وإعفاءاتها الضرائبية والجمركية؟ فلماذا تريد أن تحرم (ناسها) من الدعم الحلال، فهل لنا أن نصدق (القسوة) المفتعلة لتبرير رفع الدعم عمن هم أحوج إليه بتبريرات لم تقنع أحداً..
على أية حال مهما قلتم فإن الحال يتراءى لكثير من الناظرين أن الدعم الذي يرفع عن الفقراء يصل بطرق أخرى إلى (أغنيائكم) مثل الإعفاءات والتخفيضات الجمركية والضرائبية والتسهيلات الأخرى، والتساهل مع (الأغنياء) المتهربين من دفع الضريبة، ولا أقول التساهل والمهادنة مع الفاسدين ونهبة المال العام، والمتحللين.
يتراءى لي الأمر كذلك أشبه بالمشهد الذي صوره القرآن الكريم وهو يحكي عن حياة أهل الجاهلية قبل الإسلام فيما يتعلق بقسمة الأنعام ونحوه، كما جاء في سورة الأنعام: (فَقالُوا هذا للّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إلى اللّهِ وما كانَ للّهِ فَهُو يَصِلُ إلى شُركائِهِمْ..) ..
لذلك فإن الأجدى والأنفع والأشمل، أن توصدوا طرق (التساهيل) الأخرى، فهي الأولى بالإغلاق، والأدعى لدخول الشر والمحسوبية والمحاباة، والأولى أيضاً أن تدعوا باب الرحمة للمساكين مفتوحاً على مصراعيه دون مواربة أو خداع أو تخدير… اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة :
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين.