منصور الصويم

وحوش بلا وطن


تدور أحداث فيلم Beasts of No Nation (وحوش بلا وطن)، حول الحرب، وعن الحرب بالذات في قارة أفريقيا، في واحدة من غابات هذه القارة الموبوءة بالحروب والمآسي، يقدم الفيلم رحلة مجموعة متمردة على حكومة البلاد ومن ثم على قيادتها السياسية، هذا هو الإطار العام للفيلم، أما القصة الحقيقة التي يقدمها فهي حكاية التجنيد الإجباري للأطفال والزج بهم في أتون هذه الحروب العبثية، من خلال تتبع رحلة الطفل )آغو( منذ أن كان مجللا بسعادة فردوس الطفولة في قريته الصغيرة النائية، وإلى لحظة توريطه في سفك الدماء وإدمان المخدرات وممارسة كل فظائع الحروب في درب الهروب أو النصر المتوهم الذي أجبر على المضي فيه.
أحداث الفيلم المأساوية تم تقديمها في قالب واقعي مؤلم، ينقل إحساس الألم والتيه الذي يعانيه شخوص الفيلم بدرجة عالية جدا من الصدقية التي تصل إلى درجة التوحش الشيطاني، مثلما يصف البطل الصغير “آغو” نفسه للمعالجة الاجتماعية في معسكر الأمم المتحدة حين تسأله عما يدور بداخله، وما الذي حدث له، وأي ماض تركه خلفه، فإجابته تكون: “أخاف أن تعتقدي أنني وحش أو شيطان”، فأحداث الفيلم من وجهة نظر بطلها الصغير تتطابق تماما مع الشعور المحزن الذي سيحسه المشاهد، وهو يتابع صور سفك الدماء، والموت المجاني، والعبث السياسي والعسكري الذي يحرك المجريات الأساسية للوقائع.
يستحضر فيلم (وحوش بلا وطن) بتكثيف درامي رفيع الواقع البائس الذي يظلل القارة الأفريقية، في كل مساحتها، دون تخصيص بلد بعينه، فالحروب العبثية هي المحرك الأساسي للسياسيين والعسكريين الفاسدين الطامحين والطامعين في كراسي الحكم وثروات البلاد، وقود هذه الحروب هم هؤلاء الأطفال؛ “آغو” ورفاقه البؤساء، يتم تخديرهم برغبات الانتقام وأحلام الثراء والتحول المعيشي المرهف، وأيضا بدخان الحشيش ومخدر الكوكايين، ومثلما يصرح أحد قادة التمرد الشباب في لحظة احتضاره: “كل هذا لأجل اللاشيء”! فلأجل لا شيء تقتل النساء وتغتصب الفتيات ويجند الأطفال ويقادون في طريق المحرقة العبثي!
“آغو”، البطل الصغير، توصل في نهاية الفيلم إلى عبثية ما يفعلون، حنّ إلى أمه وإخوته، وإلى طفولته البائسة، تمرد على قائده المتوهم وطالب بالسلام، كان ذلك بعد أن تشوهت روحه وشاخت أحلامه وتمكنت الأشباح المفزعة من السكنى في دواخله.
(وحوش بلا وطن) فيلم يستحق أن يشاهده كل أفريقي، لأنه يخص كل أفريقي.. البطولة لـ (إدريس إلبا وريتشارد بيبلي واما ابيبريسي وابراهام اتاه)، والإخراج لـ (كارى جوجي فوكوناجا).